قصّة قصيرة
---
ذهبتْ إلى عملها بعدما أفطرتْ مع والدتها، دلفتْ مكتبها وجلستْ على مِقعدها المُتحرك، ثُمَّ أخرجتْ بعض الأوراق وأمسكت بقلمها كتبت بعض الكلمات، ثُمَّ ضغطت على زرٍ فجاءها مُطاوع.
عم مُطاوع صباحُ الخير.
صباحُ النور أُستاذة أروى.
هل أعددت ليَّ القهوة؟
حالاً سآتي بها لحضرتُكِ.
ثُمَّ نظرتْ لصورةِ والدها المُزَيّن بها مكتبها وأضافتْ: رَحِمَكَ اللَّهُ يا أبي قد كنتَ فارسًا وسلاحُك القلم الحُرّ.
طَرَقَ مُطاوع الباب مُستأذنًا في الدخول.
أَذِنَت لهُ فدلف.
أعددتُها مضبوطةً كالعادة، تَفضلي بُنيّتي.
أروى: سَلِمتْ يداك عم مُطاوع.
مُطاوع: بالهناء والشفاء، ثُمَّ غادر.
جاء للجريدة خبرًا يُفيد بسرقة إحدى الشركات الكُبرى، فذهبت أروى لموقعِ الحادث لتغطية الخبر؛ كمسؤولٍ عن قسمِ الحوادث بالجريدة.
أنا برئ يا حضرة الضابط، يعلمُ اللَّهُ أنَّي برئ ولا دخلَ لي بما حدث.
إذا سمحتَ حضرة الضابط: أنا أروى محمود صحفية، ما تُهمة هذا الرجل؟
رَدَّ الضابط: أهلًا، هذا الرجل موظفٌ بهذهِ الشركة ومُتَهَمًا بسرقتها، إذا سمحتِ تَنَّحِي جانبًا.
تَفضل حضرة الضابط تفضل.
ثُمَّ سألت أروى أحد العاملين عن المتهم، وعلى هذا اِستطاعت التعرُف على شخصيتهِ نوعًا ما.
عم إبراهيم ساعي الشركة يبلغ من العُمر خمسونَ عامًا، ويعمل بها مُنذُ سنوات، يتمتع بسُمعة طَيِّبَة في عمله، ومحبوب من الجميع.. حسنًا إذًا.
لقد تأخرَ الوقت أُستاذتي الجميلة!
أروى: أهلًا بك عم مُطاوع، لقد جهزتُ أوراقي لعمل غدٍ إنْ شاء اللَّه، والآن سأذهب إلى البيت، أتُريدُ شيئًا عم مُطاوع؟
سلامتُكِ أُريد.. ليحفظكِ اللَّهُ بُنيّتي.
السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ تاجَ رأسي، أروى: أُمّي عُذرًا على التأخير.
الأُمّ: لا عليكِ بُنيّتي، هيّا لنأكلَ سويًا.
أروى: حسنًا أُمّي، سأُبدّل ثيابي وآتي.
الأُمّ: ولكن لا تتأخري أروتي حبيبتي.
أروى: حسنًا أُمّي، سأفعل.
تناولاتا طعامهما ثُمَّ خلدتا للنوم.
وفي الصباحِ ذهبتْ أروى إلى عملها، وما أن وصلت حتّى أخبرها مُديرها في العمل أنَّهُ قد حجز لها موعِدًا مع المُتّهم بسرقة الشركة قبل عرضهِ على النيابة.
سُرَّت أروى بما سَمِعَت وأعدَّت عُدّتها ثُمَّ ذهبتْ إلى قسم الشرطة.
أُستاذة أروى محمود تفضلي، لكِ ربعُ ساعة من الوقت.
أشكرك حضرة الضابط.
السلامُ عليكَ عم إبراهيم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.
وعليكِ السلام والرحمة أُستاذة أروى.
أحضرتُك تعرفُني؟
ومَن لا يعرفُ وريثةُ أبيها في القلمِ الحُرّ.
وهل تعرفُ أبي؟
كيف لا أعرفُ محمود السعودي؛ وقد كان أشهر من نارٍ على عَلَمٍ، رَحِمَهُ اللَّه.
أروى: رحمهُ اللَّه، عم إبراهيم أُريدُ معرفة ما حَدَثَ بالضبط إذا سمحت لي.
عم إبراهيم: بالطبعِ بُنيّتي.. يوجد في الشركة بعض الأجهزة الإلكترونية باهظة الثمن المُؤَّمنة من قِبل بعض شركات التأمين، وقد تَمَّ نقل إحداها للمخزن ولم يكن مسؤول المخزن موجوداً ليُباشر النقل؛ فقُمتُ بعملهِ بأمرٍ من صاحب الشركة لثقتهِ بي، بعدما تَمَّ إيداع حاوية بها جهاز إلكتروني أغلقتُ المخزن وأعطيتُ المفاتيح للمهندس هيثم ابنُ صاحب الشركة وعضو مجلس إدارتها، وذهبتُ بعدها لأُباشر عملي، بعدها بيومينِ فوجئتُ بإتّهامي بالسرقة من قِبل المهندس هيثم، وقد أبلغ عنّي الشرطة وحَدَثَ ما حدث.
عم إبراهيم هل تَشُّكُ بأحد؟
لا يا ابنتي فالجميع يُحبونني وأنا كذلك أُحبهم.
أروى: فَرَّجَ اللَّهُ همَّك عم إبراهيم.. أتُريدُ منّي شيئًا قبل أن أذهب؟
عم إبراهيم: شكرًا لحضرتُكِ .
أنهتْ الزيارة وذهبتْ لمُقابلةِ صاحب العمل.
من فضلك أُريدُ مُقابلة المهندس عزّت صاحب الشركة.
مَن حضرتُكِ؟
وهل هُناكَ موعد سابق للمُقابلة؟
مع حضرتُكَ أروى محمود صحفية، ليس لديَّ موعد، المعذرة، كُلّ ما أحتاجهُ هو ربعُ ساعة فقط.
إنتظري حتّى أُخبرَ حضرته.
استدارتْ لتُلقي نظرة على مكتبِ سكرتير رئيس مجلس الإدارة.. لحظاتٍ وسَمِعَتْهُ يُناديها: أُستاذة أروى.
نعم.
تفضلي بالدخولِ مُشيرًا لها بيده.
شكرًا.
على الرُحب والسعة.
دلفتْ فوجدتْ المُهندس عزّت ينتظرها، قامَ إليها مُرّحبًا: أهلاً وسهلًا تفضلي بالجلوس.
أروى: شكرًا لذوقكَ الرفيع حضرة المهندس.
المُهندس عزّت: مُؤَكَد أنَّكِ أتيتِ بخصوص واقعة السرقة.
فأومأت بالإيجاب.. فأردف: ولكن ليس لدينا جديد كي نُخبركِ به.
أروى: أعلمُ ذلك لذا أتيتُ لأُخبر حضرتك!
المهندس عزّت: قبل أيُّ شيء تفضلي العصير.
أروى: سَلِمتْ يداك حضرة المهندس.
المُهندس عزّت: بالهناءِ والشفاء.
شَرِبَت أروى العصير ووضعت الكوب جانبًا ثُمَّ أكملت حديثها : قد عَلمتُ بأمانة عم إبراهيم وثقة حضرتُك به.
المُهندس عزّت مُقاطعًا: نعم فبيننا عِشرة عُمر.
أروى: إذًا كيف تُصدِّق ما لُفقَ له؟
المُهندس عزّت: لأنَّ الأدلة تُدينهُ، وماذا عن لُفِّقَ له.. أتعرفينَ مَن فعل ذلك؟
أروى: رُّبما ولكن بمساعدة حضرتُك سأتأكد.
المُهندس عزّت: كيف؟!!
أروى: عَلمتُ بأنَّ الجهاز المسروق مُؤَّمَن عليه فهل هذا صحيح؟
المُهندس عزّت: نعم، وقد أخبرتُ الشركة بمّا حَدَثَ وجاري اِتخاذ إجراءات التعويض.
أروى: وما رأيُ المُهندس هيثم؟
المُهندس عزّت: وما عَلاقة هيثم بهذا الأمر؟
أروى: المُهندس هيثم مُحَاطٌ بالشُبهات، أعلمُ أنَّ ما أقولهُ صعبٌ ولكنَّهُ واقع!
المُهندس عزّت غاضبًا: ماذا تقولينَ أنتِ؟
لا تُفقديني صوابي.
أروى: تَمَالك أعصابك حضرة المُهندس.. تفضل الماء.
المُهندس عزّت بعدما شَرِبَ الماء: شكرًا، أنتِ لا تعرفي هيثم ابني فلا تتهميهِ بما هو ليسَ أهلًا له.
أروى: أعتذرُ لحضرتك، ولكن إذا لم يكن هيثم فمَن إذًا؟
وهو مَن تَسلّم المفاتيح من عم إبراهيم بعدما تَمَّ إيداع الحاوية بداخل المخزن، الحاوية... نعم الحاوية، حضرة المُهندس أهُناك موظفٌ مُخصص لنقل الحاويات بالمخزن؟
المُهندس عزّت: نعم، الأُسطى عبده.
أروى: إذًا كَلمةُ السرّ الأُسطى عبده.
المُهندس عزّت: كيف.. كيف يا ابنتي؟!
أروى: أنصت إليَّ حضرتُك، الأُسطى عبده هو المسؤول عن الجهاز المسروق؛ فإمّا أنَّهُ سُرقَ قبل أن يُوضَع بالحاوية وحينَ نَقَلَ الحاوية شعر بإنعدام وزن الجهاز فخشيَ من السؤال، فالتزم الصمت، وإمّا أن يكونَ الجهاز قد سُرقَ بعِلمهِ وتَقَاسَمَ أجرًا مع السارق وضَحَّىَ بزميلهِ إبراهيم!!!
المُهندس عزّت: إذا صَّحَ ما تقولينهُ فقد ظُلِمَ عم إبراهيم.. ولكن كيف نعرف؟
أروى: دع هذا الأمر لي؛ فلديَّ خبرة في كيفية التعامل مع مِثلها مِن الوقائع.
المُهندس عزّت: كما تُريدين، فليُعنكِ اللَّه.
أخذتْ أروى تُجري بحثها على الأُسطى عبده وحالتهِ المعيشية كيف كانت وكيف أصبحت؟
وتأكدَ ظَنُّها حينَ عَلِمَت من زوجهِ بأنَّهُ مُحدثُ غِنًا؛ وعلى الفورِ ذَهبتْ لوكيلِ النيابة وأخبرتهُ بكُلِّ شيء.
اِتخذ وكيل النيابة الإجراءات القانونية اللازمة معهُ؛ فقُبضَ عليه أثناء ذهابه لشركة التأمين لمُقابلة موظفٍ هُناك؛ واعترف بأنَّهُ مَن سَوَّلَ لهُ بأن يَتوهم بوجود الجهاز داخل الحاوية، في حين أنَّ الموظف قد سرقهُ وقام ببيعهِ وإعطاء الأُسطى عبده مبلغاً مالياً ليَسُدَّ فاهُ عن الحقيقة.
شَكَرَ وكيل النيابة أروى على شجاعتها في الحقّ، وخرجَ عم إبراهيم المُتّهم البرئ وكَرَّمهُ صاحب الشركة المُهندس عزّت.
عادتْ أروى إلى البيتِ بعد يومٍ طويلٍ تناولتْ طعامها ثُمَّ ذهبتْ لغرفتها، وقبل أن تنام فتحتْ خزينة ملابسها وأخرجتْ منهُ صندوقًا عتيقًا، فتحتهُ فإذ بهِ قلم رَصاص أمسكتهُ ثُمَّ أخذتْ تُحدّثُ نفسها: رَحِمَكَ اللَّهُ يا أبي، فقد أحببتُ الصحافة مُذ أهديتني هذا القلم؛ حينَ كتبتُ مقالي الأوّل صُدفة أليمة.. رَحِمَكَ اللَّهُ يا أبي يا قطين فؤادي.