أنا راضي وضعتني أُمّي مُنذُ ثلاثةِ أعوام، لم أفرح بقدومي إلى الدُنيا في بادئ الأمر لكن سُرعان ما تأقلمتُ؛ فقد وهبني اللَّهُ أبوينِ صالحين، قاما على رعايتي، فأُمّي تُطعمني وتهتم بنظافتي، وأبي يُداعبني ويُشاركني لُعبتي، ظللنا هكذا حتّى أتممتُ عامي الثالث قبلَ أنْ آتي إليكم بأيَّام.
أعدّتْ أُمّي شطيرة الفراولة التي أُفضّلها لتُزيّنَ بها ذكرى مولدي، عادَ أبي من عملهِ مُبّكرًا وقد ابتاعَ لي الدراجة الصغيرة التي أردتها، ثُمَّ جاء الأهل ليُباركوا حفلي، ضحكنا، لعبنا، استمتعنا وبعدها بيومٍ حدثَ ما حدث.
فقد شنّتْ مُرتزقة الكيان ال ص ه ي و ن ي الحرب على أرضنا في غزّةَ، وما هي إلَّا ساعاتٍ وقد سقطَ منّا أعداد ماهولة شُهداء، كانَ من بينهم أبي الذي لم يُكمل عامهُ الثلاثون، انتحبت أُمّي وصبرت كي تُطمئنني، بعدها بساعاتٍ قلائل سقطَ عِشرونَ شهيدًا من عائلتي، حملتني أُمّي بينَ ذراعيها وهرعت بي إلى الشارعِ بعدما دُمِّرَ بيتنا وسائر البيوت.. لحظات وأصابتها شظية من شظايا العدو فسقطتْ مغشيًّا عليها، حاولتُ إفاقتها لكنَّني لم أُفلِح، وقفتُ على قدماي أدعو اللَّهَ كما علّمني أبواي، لم يدعني العدو الغاشم أنْ أُكمِلَ دُعائي فأطلقَ عليَّ الرصاص غيلةً، سقطتُ على الأرض ورأيتُ رَّوحي صاعدة إلى هُنا ففرحتُ لحُسنِ ما رأيتُ، ثُمَّ اغرورقتْ بعيني العَبرات حينَ نظرتُ لأُمّي والتي فُطِرَ قلبها على فِراقي لها وأنا ابنها الوحيد.
ظننتُ أنَّني الوحيد الآتي إلى هُنا لكن حينَ رأيتُ المكان مُزدحم بمَن هُم مثلي من الأطفال عَلِمتُ أنَّني لن أكونَ وحيدًا بمعيَّةِ إخوتي من الشُهداء.
كُلّنا يُحلّقُ في مكانٍ فسيحٍ لن يجرؤ العدو ال ص ه ي و ن ي ولا غيرهِ على الإقتراب منّا، طمأنوا أُمّي إنْ كانتْ لا تزال على قيدِ الحياة أنَّني في مأمنٍ ومَن معي من الرُّضعِ والأطفال، طمأنوها بأنَّهُ لن يطالني ورفاقي أذى بعد الآن.. فنَحنُ هُنا في معيَّةِ الرحمٰن.