عَمَّ الغلاء أرجاء البلاد، أضحى الطعام أثمن من العِلم، ولكنْ من أينَ يأتي العِلم والعقول قد أصابها الوهن؛ نَظرًا لسوءِ التغذية المُنتشر، أو قُلْ إنعدام التغذية من الأساس.
كُلّ شيءٍ يَدُل على أنَّ هؤلاءِ النَّاس هُم حَفدة بُناة الأهرامات، ليسَ لعِلمهم المعهود، ولا تطورهم الملحوظ، ولا حتّى هِمّتهم المسبوقة، ولكنْ لوجهِ الشبه الذي بينهم؛ حيثُ الوجوهُ الشاحبة، والعِظام البارزة بعدما ذابَ الشَحم وبَقيَ الجلد والعروق، وهذا إنْ دَلَّ على شيءٍ يَدُل على أنَّ حَفدة الفراعنة قد أضحوا كما المومياوات دونَ تحنيطٍ أو غيره!
كُلّ شيءٍ يدفع النَّاس دفعًا لعدم التراحُم فيما بينهم، بل عدم رأفتهم بحالهم هُم؛ فبعدَ أنْ كانَ الكرم ديدنهم، أجبرهم الغلاء على تغيير بعض عاداتهم، ولكنْ للأسوأ للأسفِ الشديد.
عصرٌ عصيب ما نَحنُ فيهِ الآن؛ حيثُ الفقر المُدقع، وإنحطاط الأخلاق، وضياع القِيَم، ناهيكَ عن المجاعة الوشيكة.
ما قيمة الدُّنيا حينَ يَرى الإنسان نفسهُ أقل حُرّيةً من الحيوان؟!
قال أحدهم لصاحبه: ليتني أسدٌ لا إنسان!
سألهُ صاحبهُ عن سببِ تمنّيهِ فكانتْ إجابتهُ صادمة: لأنَّ الحيوان يأكل ويشرب بل ويتكاثر دونَ أنْ يحجُرَ أحدٌ على حقِّهِ في الحياة.
لم ينبس صاحبهُ ببنتِ شفة بينما عيناهُ تذرفان.
ورغم كُلّ هذا إلَّا أنَّ هُناكَ بصيص أمل يكمنُ في الإجتهاد الشخصي لكُلّ فرد؛ فمَن سيعمل سيتمكن من شراءِ الطعام، ومَن لا يعمل سيموت جوعًا.
ليسَ الغلاء وحدهُ هو سبب تردي الأوضاع؛ فهُناكَ فقرٌ وجهلٌ ومرض، وأُضيفَ إليهم الغلاء فكانَ ما نَحنُ فيهِ الآن من صعوبةِ المعيشة، وشظف العَيش.. السؤال الذي يطرح نفسهُ هو: كيفَ حال المُصنّفين تحت خطّ الفقر؟؟؟