أجريتُ بعض الفحوصات الطبيّة مُنذُ فترة؛ للإطمئنان على صحتي، تمّت الأمور على خيرٍ حتّى أتى موعد إستلام نتائج الفحوصات.
ألقيتُ السلامَ على الطبيبة المُختصّة بالتحاليل، جلسنا، اطمئنت على أخباري، ثُمَّ أخبرتني بنتائج الفحوصات قبلَ أنْ تقرأها وهي تُمسِكُ بالملف ذي الأربع ورقات.
أخبرتني بأنَّني أُعاني مرضًا لستُ أُعانيه، رددتُ عليها بالنفي قطعًا؛ إذ أنَّني أعلمُ نفسي جيّدًا، كما أنَّني قد تفاءلتُ خيرًا حينَ قامت بسحبِ عيّنةٍ عشوائيّة من ذراعي اليُسرى.
نظرتُ لها ولثقتها الطاغية على حديثها، فحدّثتني نفسي بأنَّ ما تقولهُ صحيح؛ فهي طبيبة وأدرى منّي بنتائج الفحوصات الطبيّة، فشعرتُ لوهلةٍ بتعبٍ مُصطنع لم أشعر بهِ حتّى وهي تسحب من وريدي العيّنة.
لكنْ وللحظةٍ مع ذاتي، رُدّت إليَّ ثقتي في تفاؤلي ونفسي، فسألتها: حضرة الطبيبة، كيفَ يَحدُثُ هذا وأنا لا أتناول الوجبات السريعة؟
كيفَ يحدثُ هذا وأنا أكلُ وأشربُ من البيتِ ومن صُنعِ يدي؟
كيفَ يَحدُثُ هذا وأنا أُحافِظ على صحتي وأعتني جيّدًا بما يدلف جوفي؟؟؟
نظرَ أخي إليَّ ثُمَّ أكدَ على حديثي للطبيبة:
رُّبما هي نتائج فحوصات فتاة أُخرى غير مريم؛ مريم التي تهتم جيّدًا بطعامها وشرابها، مريم التي تُفضّلُ الطعام المنزلي على سائر الأطعمة.. قطعًا هي ليستْ نتائجها حضرة الطبيبة.
أخذت الطبيبة تُقنعنا بشتّى الطُرق، وتقول:
مريم، هل تعلمي ما معنى زيادة نسبة كذا الظاهرة في التحاليل؟
أجبتها بهدوءٍ: ما معنى زيادة نسبة كذا الظاهرة في التحاليل؟
ردّت وقد بدا على ملامحها القلق: تعني نذير خطرٍ مريم.
لا بُدَّ وأنْ تفعلي كذا وكذا وكذا، لأنَّكِ مُصابة بكذا وكذا وكذا.
نظرتُ لها: أنا يا بنتي!!!
دا أنا جايّة لك على رجليا الحمدُ لِلَّه، وكمان طالعة 5 أدوار بالسلّم، إزاي أكون مريضة؟
absolutely
كمان أنا بحبّ الأكل التقليدي ومش باكل الfast food.
هي تُحاول إقناعي وأنا أردّ عليها بالحُجةِ والمنطق، حتّى أنَّها ترددت أخيرًا.
سألتها النصائح فأجابتني بما هو كائن في عاداتي اليوميّة، حتّى أنَّها تعجبت!!!
شكرتها على أيّةِ حال، وذهبتُ وأخي إلى الطبيبة، وما أنْ رأت نتائج الفحوصات حتّى وضعتها جانبًا وقالت: مريم دي نتايج عبيطة.
أنا: يعني إيه يا دكتورة؟
يعني ما عندكيش أيّ حاجة، وأنا طلبت منك التحاليل دي للإطمئنان مش أكتر.
أنا: أومال دكتورة فلانة قالت لي غير كدا خالص.
قالت لك إيه؟
قالت لي عندي مجموعة أمراض مش عارفة جت لي إزاي وامتى.
مريم تحاليلك اهي قدامي، مفيش فيها أي حاجة تقلق، نتايجها كُلّها طبيعيّة، بلاش نتوهم باللَّهِ عليكِ، تلاقيها غلطت في النتايج مش أكتر.
أخي: دكتورة فضلًا ممكن تكتبي لها حاجة احتياطي؟
في إيه يا أستاذ، حضرتك عايزني أمرضها يعني، النتايج بتقول إنَّها كويس ومفيش داعي لقلق حضرتك دا، بعدين حاجة إيه اللي حضرتك عايزني أكتبها لها؟
فيتامين مثلًا!
بس هي مش محتاجة الفيتامين مثلًا، ونسبة الهيموجلوبين بتقول إنَّها تمام جدًّا، دي نسبتها 13.5 يا أستاذ، مريم بتدلع عليكم، كُلّ ما في الأمر إنَّها لما جت لي كانت مُرهقة شوية، لكن الحمدُ لِلَّهِ هي تمام.
خرجنا من غُرفةِ الفحص، وجلسنا لدقائق حتّى يُنهي أخي مُكالمتهِ ففوجئتُ بسيّدةٍ تجلس بجواري ومعها زوجها، توضح لهُ ما أظهرتهُ نتائج الفحوصات الطبيّة التي أجرتها.
كانتْ تلكَ السيّدة هي المخصوصة بحديثِ طبيبة التحاليل، ذهبنا إلى مركز التحاليل، وحينَ رأتنا الطبيبة البشوشة، استحت ونظرت للأسفل، صافحتها وتبسمتُ لها بعدَ أنْ استأذنتُ أخي في الحديثِ معها على انفراد.
لا تخجلي حبيبتي، فكُلّنا يُخطيء وكُلّنا يعلمُ نفسهُ جيّدًا، قد سامحتكِ لبشاشةِ وجهكِ هذهِ، ولكنْ لا تُعيديها مرّةً أُخرى؛ فكُلّ مَن سيأتونَ إليكم ليسوا كَمريم في صبرها ورويّتها.. كوني حَذِرة ويَقظة، واقرأي النتائج عشر مرّات قبلَ أنْ تُخبري بها المرضى، فرُبَّ مريضٍ يرجو شفاءً قد تقتلهُ كلمتكِ فاحذري.