دائمًا ما أسمعُ مقولة "شعب مصر مُتدّين بطبعه" حسنًا ولكن أوليسَ للتدّيُنِ عَلامات؟
ولا أقصدُ بها العِمّة أو الجلباب أو أيًّا كانَ الزيّ، ولكنَّني قصدتُ المضمون، والمضمون الذي أعنيهِ هُنا هو السلوك، أيّ أنَّ عَلامات التدّيُنِ نلحظها في سلوكِ مَن يُعرف عنهُ أنَّهُ مُتدّين.
أمَّا أنْ يحصر البعض مفهوم التدّيُنِ بزيٍّ دونَ تأثير سلوك صاحب الزيّ فهذا من ضِيقِ الفِكر، هذا بخصوصِ مَن يحصر مفهوم التدّيُنِ بالزيّ، وهُناكَ نوعٌ آخر مُنتشر إنتشار النّار في الهشيمِ رغم عدم إحتكامهِ على إحترام العقل، وهو حصر فئة المجاذيب ليسَ بالتدّيُنِ فحسب بل ووصفهم بأنَّهم أولياء اللَّهِ الصالحين!
أنا لا أنفي وجود بعض الأولياء الصالحين بينَ البشر لكنَّ الذي لا يَقبلهُ عقلي هو وضع الشيء في غيرِ موضعه؛ فالمجاذيب (المجانين) هُم في الأصلِ غير مُكلّفين، لذهابِ عقولهم ولا حرجَ عليهم، بل من رحمةِ الرحمٰن أنْ جَعَلَ القلم لا يَكتُب عليهم، أيّ أنَّهم لن يُحاسبوا، فكيفَ يحصرهم البعض في صِفةِ أولياء اللَّهِ الصالحون؟
كما أنَّ لأولياءِ اللَّهِ الصالحينَ صِفاتٍ ذكرها بِهم ربّ العالمين في كتابهِ العزيز، فقالَ عزَّ من قائل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم" آلا إنَّ أولياءَ اللَّهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون؛ الذينَ آمنوا وكانوا يتّقون" سورة يونس الآيتان 62 و 63.
ومعنى يتّقونَ أي يتّقونَ اللَّهَ بأداءِ فرائضهِ واجتنابِ معاصيه، إذًا المجاذيب ليسوا أهلًا لأنْ يكونوا أولياءَ اللَّهِ الصالحين؛ لخلّوهم من العقلِ وبالتالي عدم اِتصافهم بالصفاتِ التي جاءَ بِها الذكر الحكيم.
والسؤال الذي يطرح نفسهُ هو: طالما أنَّ الأمرَ كذلك، لماذا كُلّ هذا الاهتمام بإظهار المجاذيب في هذهِ الصورة تحديدًا؟
بل عَلَاَمَ المُتاجرة ببلواهم؟
بل إنَّ السؤال الأهم هو: ما الفائدة من وراءِ جعل المجاذيب أولياء للَّهِ صالحين؟؟؟
إذا نظرنا لِما خلف الكواليس لعَلِمنا أنَّ هُناكَ مَن يتكسّبُ من وراءِ المجاذيب؛ لوفرةِ الجهل وقِلّةِ العِلم، فتراهُ يُمّجدُ في المجذوبِ تمجيدًا، ويُوهِمُ أهل القرية أو البلدة أو المدينة أو المركز أنَّ هذا المجذوب هو ولّيٌ من أولياءِ اللَّهِ الصالحين، بل ويدّعي أنَّهُ بركة للمكانِ الذي هو موجودٌ به.
ثُمَّ يحُثّهم على التبّرُعِ لهُ وتقديمِ القرابين كي ينالوا مُرادهم، فتراهم يذبحونَ لغيرِ اللَّه، ويُصلّونَ في قبورٍ يُسمّونها أضرحة، بل ويَقصدونَ الموتى في قضاءِ حوائجهم، وتيسيرِ أمورهم.
إنَّ الذينَ يُرّوجونَ للأضرحةِ ما هُم إلَّا مافيا تستغلّ ذِهاب عقل المجذوب فيستخدمونهُ كما يحلو لهم، وكذلك يستغلّونَ جهل عامّةَ الشعب فيسرقونَ دّينهم؛ حيثُ يذهبونَ بِهم إلى طريقِ الشركِ باللَّهِ العليِّ العظيم.
الغريب في الأمرِ هو الصمت المُريع لفِعلٍ مُخالفٍ لعقيدةِ أغلب المصريين، فلم يَرد في دّيننا ما يفعلهُ هؤلاء، بل على العكسِ تمامًا؛ فقد أُمرِنا بالتوحيد، توحيد الألوهية للَّهِ ربّ العالمين، فالعِبادة تكون لهُ وحدهُ سُبحانَهُ وتعالى، لا نُشاركهُ فيها غيره، فنعمدَ إليهِ في تيسيرِ الأمور، ونقصدهُ في قضاءِ الحوائج، ونتقرّب إليهِ بالذبحِ بُغيةِ وجههِ الكريم، كما نُوهينا عن جعلِ القبور مساجدًا ومن ثَمَّ الصّلاة فيها.
ما يَحدُثُ الآن من أمرِ الأضرحةِ واِنتشارها هو أمرٌ مُخالِفٌ لشرعِ اللَّهِ وسُنّةِ رسولهِ سيدنا مُحمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
التدّيُن الحقّ هو الإلتزام بكتابِ اللَّهِ وسُنّةِ رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وما خَاَلَفَ ذلكَ فليسَ من اللَّهِ في شيء.
تقول الإحصائيات بأنَّ أعداد الأضرحة في مصر قد فاقتْ الألوف، كيفَ يَحدُثُ هذا وهو أمرٌ مُخالِفٌ لعقيدةِ أغلب المصريين؟
بل هو أمرٌ مُخالِفٌ لشرعِ اللَّهِ جُملةً وتفصيلًا.
كيفَ يُترَك المُتربّحونَ (مافيا الأضرحة) يسرقونَ من النَّاسِ دّينهم وينهبونَ أموالهم؟
يُقالُ بأنَّ مصر بلد العِلم والإيمان، يقول العقل أنَّ صّحة الأقوال تَثبُتْ بالدلالة عليها؛ فإذا قِيلَ أنَّ فلانًا أمين، لا بُدَّ وأنْ يكونَ قد حَفِظَ لأحدهم أمانتهُ حينَ استأمنهُ عليها، وكذلكَ الأمر بالنسبةِ لمقولةِ "مصر بلد العِلم والإيمان" لا بُدَّ من التدليلِ عليها بمُحاربةِ ما هو مُخالِفٌ للشرعِ والعقل.
مافيا الأضرحة لا يقلّونَ جُرمًا عن مافيا الأعضاء وغيرهم من العصاباتِ الإجرامية، بل رُّبما زادوا لسرقتهم دّينَ اللَّهِ من العِباد قبلَ أموالهم.
يعتمد المُتربّحونَ (مافيا الأضرحة) من المجاذيبِ إعتمادًا كُلّيًا على جهلِ العامّة؛ فتراهم يبنونَ قبورًا لموتى مجهولي الهوية، لا فرقَ بينها إذ كانتْ لجُثثِ إنسانٍ أو حيوان، المُهم أنْ يُقنعوا النَّاس بأنَّ صاحب القبر وليّ من أولياءِ اللَّهِ الصالحين، يسمع ويَرى بل ويطير كُلّ هذا رغم أنَّهُ ميّت!
هُناكَ بعض مقابر الأولياء من عِبادِ اللَّهِ الصالحين، لكنَّ هذا ليسَ مُبّررًا لأنْ تُجعل قبورهم مساجد، بل وقِبلةً يقصدها البعض للذبحِ وقضاء الحوائج، ومَن في القبور برئيونَ من تلكَ الأفعال المُخالفة لشرعِ اللَّهِ وسُنّة رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وما يُثبت أنَّ مافيا الأضرحة على ضلالة وجهالة هو أنَّ قبورَ أولياءِ اللَّهِ الصالحين تضم أجساد العُلماء الربّانيين، المُعلِّمون النّاس دّينَ ربّهم، والناقلينَ لهم سُنّةَ نبيّهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دونَ غُلّوٍ أو تقتير.
مَن يبتغي مرضات الرحمٰن فالأمر بسيط للغاية.. عليكَ بكتابِ اللَّهِ وسُنّة رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.