لكُلٍّ مِنّا رُكنٌ خاصٌّ بذاكرتهِ يلجأ إليهِ حينَ تَضيقُ بهِ دُّنياه، ليُرَوِّحَ عن نفسهِ ولو بعض الشيء، هذا الرُكنُ الخاصّ عَصيٌّ على النسيان؛ فتراهُ شامِخًا كَالعبَّاسِ في وجهِ قِطارهِ، ويكأنَّهُ خِلٌّ وفي.
أذكُرُ حينَ تَضيقُ بيَ الحياة، أقومُ بفتحِ صندوقٍ من صناديقِ رُكني الخاصّ بذاكرتي، فأُخرجُ منهُ ما يُسعدُ قلبي، ثُمَّ أُعاودُ تخبئتهُ من جديد؛ إذ أنَّ بعضَ الذكرياتِ يُخشى عليها، تلكَ التي أراني فيها راضية وسعيدة بما قدّرَهُ الرحمٰنُ لي.
هُناكَ ذِكرى مُتفردّة تظلُّ وثيقة الصِلة بالذاكرة حتّى الموت، ذِكرى واحدة يقف عندها العقل مُعاودًا التذكُّر، مُستمتعًا بإسترجاعها بِجُلِّ تفاصيلها، ذِكرى واحدة تعلقُ بالقلبِ والرَّوحِ والعقل.
ذِكرى واحدة حينَ أشرعُ بمُعاودتها أراني وقد تبسمَ قلبي، وسَعِدَتْ رَّوحي، ورَضِيَتْ نفسي، ولمعتْ عيناي فَرحًا ليظهر بريق لونهما العسلي، فأُردّدَ بكُلّي ليتَ الزمانُ يعودُ فتعود، ذلكَ اليوم الذي لامستْ فيهِ الفرحة شِغافَ القلب، بعدَ زمنٍ من البَّث، يومٌ لا كَغيرهِ من الأيَّام، يومٌ كَدربٍ من دروبِ الخيال، يومٌ قالَ اللَّهُ فيهِ للقلبِ كُن فَرِحًا فكان.
يومٌ واحدٌ ليتَ الزمانُ يعود فيعود.