ما أجملَ أن تكونَ ذِكرى جميلة في حياةِ أحدهم!
أذكُرُ حينَ كُنتُ في الثانويةِ العامّة تحديدًا بالصفِّ الثاني منها رأيتُ صديقتي ماريا تقطف ورقة من إحدى أشجار الحديقة أثناء سيرنا فيها، وغسلتها وجفّفتها ثُمَّ جلستْ وأخرجتْ قلمها الحبري وكتبتْ عليها، وبعد لحظاتٍ أعطتنيها كهدية، أخذتها بسعادةٍ وقرأتها: "إذا جمعتنا الصداقة أرجوها أبدية، يا أجمل بنات الثانوية.. مريم صاحبة الضحكة الوردية، كُلّ سنة وأنتِ طيّبة في عيد الأُضحية، ودُعائي أن لا تُفارق الضحكة وجهكِ.. ماريا صديقتك".
سعدتُ حينها سعادةً عظيمة حتّى صرتُ أضحك وأضحك وأضحك، ثُمَّ قطفتُ ورقة من ذاتِ الشجرة وغسلتها وجفّفتها وكتبتُ عليها بعضًا من مشاعري لصديقتي ماريا.
ما أجملها من ذِكرى وما أنبلها من مشاعر، بعدما أخذتُ الورقة منها وضعتها بحقيبتي حتّى عُدتُ إلى البيت، ثُمَّ أخرجتها فعطرتها بعطرٍ هادئٍ وحفظتها بحقيبةٍ ورقية أنيقة، ووضعتها بصندوقِ ذكرياتي.
وتمرّ الأيَّام ولا تزال ورقة الشجرة حفيظة صندوق ذكرياتي، أرقبها بينَ الحينِ والآخر حتّى لاحظتُ أنَّها ذبُلَتْ وراحَ لونها، ومع ذلك بقيتْ بها الكلمات ورائحة العطر.
بعض الأشياء البسيطة تصنع بداخلنا ذكرياتٍ سعيدة من الصعبِ أن تُنسَى؛ فهي الملجأ لأرواحنا حينَ تَضيقُ بنا الحياة.
أنهينا المرحلة الثانوية وفرّقتنا الحياة؛ فماريا قد انشغلتْ بدراستها الجامعية في حين انشغالي بموهبتي الأدبية وتطويرها.
لم تشغلنا الدنيا عن ذكرِ بعضنا أو السؤال على بعضنا، فقد حَدّثتني إحدى الصديقات بأنَّ ماريا قد أرسلتْ إليَّ السلام كما سألتها عنّي وعن أحوالي، وقد فعلتُ ذلك آنفًا.
مَرّت الأيَّام وزادتْ الأعمار وأضحتْ صداقتنا ذكرى من الأيَّام.. ورُغم أنَّ الحياة قد فرّقتنا إلَّا أنَّ الذكريات تجمعنا؛ فما زالتْ ورقة الشجرة معي إلى الآن مُحتفظة بكلماتها ورائحة العطر حتّى بعدما جَفّتْ.