حينَ يصدمكَ الواقع فلا إراديًا تتجه بخيالكَ إلى العهدِ المُنصرم، لا سيّما وإن كانت تلك الحِقبة غير مُحبّذة بالنسبةِ لك!
نعيشُ الآن فترة زمنية عصيبة تعجّ بكُلِّ ما هو غريب على الفِطرة النقيّة والأنفُسِ السوية؛ حيثُ إحلال الحرام وتحريم الحلال من قِبَلِ البعض، وإتاحة المُسكرات بكافّةِ أنواعها بما في ذلك الخمر والمُخدِرات وغيرهِ من السموم البيضاء، أتساءل: كيف تمرّ تلك السموم من حدودِ الدولِ مرور الكِرام؟!
بالإضافة إلى المُجاهرة بالعُرّي والخنوع بجانبِ تشجيع الرذيلة وذمّ الفضيلة.
وقد أظهرتْ وسائل التواصل الاجتماعي أسوأ ما في المُجتمعات العربية عامّة والمُجتمع المصري خاصّة؛ فهذهِ تُجاهر بالفُحش وتلك تُباهي بجسدها وأُخرى تُحرِّض الفتيات على الفسقِ والفجورِ والعِصيان، وآخر يُمسِكُ بالكاميرا ليُصور زوجهِ بأوضاعٍ خادشة للآداب العامّة دونَ حياءٍ أو حِمية، بالإضافة إلى آكلي الطعام أمام الكاميرا رُغم أنَّ ذلك ليسَ من الأدبِ في شيء.
والكثير من مظاهرِ الرُخص والبذاءة بالإضافة إلى الفجور والدناءة، إن دلّتْ تلك المظاهر على شيءٍ فإنَّها تَدُل على الجهلِ بالقيمِ والأخلاقِ والتخلُّفِ عن رَكبِ الأدب والبُعدِ عن الاحترام.
وقد اتخذتْ الدولة إجراءات قانونية ضد مَن يُخلّ بالآداب العامّة وصدرَ ضد عددٍ منهم أحكام قضائية.
آهٍ لو عادَ بنا الزمان لرويتُ لأهلِ الجاهلية ما يُحدثُ الآن ونحنُ في عامِ ألفٍ وأربعمائة وخمسة وأربعون من هِجرةِ المُصطفى _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أظُنُّ أنَّهم سيُشفقونَ علينا من ما آلَ إليهِ حالنا!
فالجاهلية يا سادة بها ما يُميّزها من الصفات المحمودة كالقيمِ والأخلاقِ والنُبلِ والشرف، بالإضافة إلى الأمانة والوفاء بالعهدِ والترفُع عن البذاءة، كما كانتْ الحُرّة تأبى الزنا.. أذكُرُ حينَ بايعتْ سيدتُنا هند بنت عُتبة _رَضيَ اللَّهُ عنها_ رسولَ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ استوقفها الأمر بتحريم الزنا، فتساءلتْ في دهشة: أوتزني الحُرّة يا رسول اللَّه؟
لم يتميّزوا بالخِلالِ الكريمة وحسب؛ بل تميّزوا أيضًا في علومِ النجوم والكهانة، والطب وغيرهِ من العلوم الأُخرى، بالإضافة إلى تميُّزهم الأدبي في مجالاتٍ كالشِعرِ والخِطابة.
رُغم كُفرِ قُريش إلَّا أنَّهم حملوا الكثير من الصفاتِ الحميدة، كالكرامة والشهامة، وإكرام الضيف، وقول الحقّ.
أظنُّ أن لو عادَ بنا الزمان لن تقبلَ بنا الجاهلية فنحنُ الآن لا نُضاهيهم حتّى في أخلاقهم!