أُحِبُّ الخِراف كسائرِ الحيوانات، أُحِبُّ وجودها في الحظيرة، كما أُحِبُّ شكلها من بعيد، لكنَّني لا أُحِبُّ تناول لحمِها أبداً، ولا أُفضّلُ أن أراها من قريبٍ؛ إذ أنّي أخافُ من التعمُّقِ بالنظرِ إليها عن قُرب.
لكَمْ سألتُ نفسي عن سببِ عدم تناولي لذاك اللحم؟
فتأتي الاِجابة بأن لا شيء سوى رائحتها التي لا أُطِيق.
حاولتُ كثيراً أن أتناولَ لحم الضأن بطريقةٍ مُختلفة _بُناءً على رغبةِ أُمّي وإخوتي_ لكنَّي لم أُوَفَق رُغم تتبيلهِ الرائع، إذ لا طاقةَ لنفسي به، وعليهِ فقد عوّضتَني بتناول لحم الماعز، فلحم الماعز يتميّز بالخِفة واليُسر والليونة؛ فعندَ طهوهِ تراني سعيدة بتتبيلهِ واِعداده.
أُحِبُّ لحم الماعز ومِن لحمِها أُفضّلُ تناول الأضلاع (الرِيَشْ)، ويا حبّذا إن طهوتها بالسمن البلدي، طاقةَ هائلة تُضافُ إلى الجسدِ بعد تناول طعامٍ كهذا.
ومع ذلك لم يزل يشغل بالي عدم محبّتي للحمِ الضأن، رُغم أنَّهُ مُفَضّل لدى الجميع _باِستثنائي ومَن هُم مِثلي_ بل ويزيد سِعره عن أسعارِ باقي اللحوم، والمُدهِش في الأمرِ أنَّ بعض المطاعم قد خصّصتْ مجالها في لحمِ الضأنِ فقط، ليَسعَدَ بذلك مَن يُفضّلونَ تناول لحم الضأن بأشكالٍ مُتنوعة.
مِن المعلومِ أنَّ قاطني الأبرْاج (البُرْج هو مبنى يزيد عن البِناية بعدّة طوابق) حينَ يأتي عليهم عيد الأضحى المُبارك ويُحِبّوا أن يُضّحوا ماذا يفعلونَ وهُم لا حظيرة لهم؟
يضعونَ أضاحيهم بغُرفةٍ جانبية بالبُرْج مِن أمسِ يومِ عرفة إلى صباحِ يومِ النّحر، حتّى إذا ما صلّوا العيد أتوا بالجزّارِ ليذبحها.
أذكُرُ حينَ كانَ يوم عرفة تحديدًا الساعة العاشرة ليلًا، كُنتُ قد أعددتُ للغدِ عُدّتهُ فجهزتُ بعض الحَلوى والمُقبّلات، وتسامرتُ مع إخوتي ثُمَّ ذهبتُ للنوم، دلفتُ الغُرفة وحينَ هممتُ بالنوم فَزِعتُ لسماعي صوت الخروف الموضوع بالغُرفةِ الجانبية أسفلَ مِنّا؛ إذ كُنَّا نقطنُ إحدى شُقق الطابق الأول عُلوي، هرعتُ إلى الصالة (الريسبشن) حيثُ أُمّي تُناجي رَبَّها، رأتني فقامت إليّ، حدّثتُها بما سَمِعتُ فطمأنتني، ثُمَّ ذهبَ أُخيّا إلى غُرفةِ النوم، أضاء المِصباح، ونظرَ مِن الكوّة (نافذة صغيرة يأتي منها النور) فأخذ يضحك حتّى أتى الصالة، نظرَ إليَّ ليزدادَ ضَحِكًا قبلَ أن يُضيف: إنَّهُ خروفُ العيدِ يا مريم!
خَجِلتُ ثُمَّ أردفتُ: لا بأسَ أُخيّا، تُصبِحونَ على خيرٍ، وذهبتُ للنوم.
دلفتُ الغُرفة وبدأ الخروف في مأمأتهِ، لكن لا داعي للخوفِ كما قالت بذلكَ أُمّي، أغلقتُ باب الكوّة ونِمتُ بعد أن تجاوزتُ خوفي بالتفكيرِ بيومِ العيد.