لا تُعاير غيركَ بمعصيتهِ، ولا تغرنَّكَ طاعتُكَ فورّبّ مُحمّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إنَّ اللَّهَ لقادرٌ على أنْ يُبدّل الأدوار فتكونَ أنتَ هو ويكونَ هو أنتَ، لا تحسبنًّ نفسكَ معصومًا ما دُمتَ بشرًا لم يَرقى للنبوّةِ والرسالة، ولا تحسبنًّ أنَّ طاعتُكَ مهما اجتهدتَ فيها هي مَن تحميكَ مِن مَا وَقَعَ فيهِ غيرُك، تاللَّهِ ما يَحميكَ هو سِترُ الستير _سُبحانَهُ وتعالى_ فاحمدهُ وادعو لغيركَ بالتوبةِ والهداية.
أتعجبُ كثيرًا من الذينَ يصفونَ بلاءَ غيرهم أنَّهُ عَلامة على غضبِ اللَّهِ عليهم، ثُمَّ أتساءل: وما أدراكم أنتم؟
هل بلّغكم اللَّهُ بهذا الأمر أنَّني اِبتليتُ فلانًا لغضبي عليه؟!
أم أنَّ ما تقولونهُ فِرية؟
أم أنَّكم تظنّونَ أنفسكم أفضل من المُبتلينَ لخلّو داركم من البلاء؟
أم أنَّكم تحقدونَ عليهم لِمَا وصلتْ إليهِ أحوالهم بعد أنْ نزلَ البلاءُ بدارهم؟
فيا أيُّها المُفتونَ بغيرِ عِلمٍ ولا إيمانٍ تأدبوا في حديثكم عن بَلوى غيركم، فإنْ خلوتُم من العِلمِ والتقوى لا تخلونَ من الأدب، ثُمَّ ما شأنكم بغيركم؟
اتقوا اللَّهَ ولا تقتلوا الأملَ في قلوبِ المُبتلينَ، ولا تُفقدوهم حُسن ظنّهم بخالقهم، واعلموا أنَّ البلاءَ إنْ دلَّ على شيءٍ يدُل على حُبِّ اللَّهَ لعبدهِ المُبتلى؛ والدليل أنْ اختارهُ دونَ غيرهِ وخَصّهُ بالبلاء.
إنَّ اللَّهَ يُحاسِبُ على الصغيرةِ والكبيرة، ولا تفوتهُ فائتة سُبحانَهُ وتعالى، لذا اتقوا اللَّهَ في أنفُسكم لأنَّكم مُحاسبونَ عنها، ثُمَّ اتقوا اللَّهَ في غيركم لأنَّكم ستُحاسبونَ عنهم كذلكَ إنْ أنتم ظلمتموهم ولو بكلمة، وأُقسِمُ بِعَقدِ الهاءِ أنَّكم حينها ستندمونَ على ما فرطتم في جَنبِ اللَّه، وعلى ما أضعتموهم من أعمالكم الصالحة بظُلمِ غيركم.
كُلّنا بشر لا فضلَ لأحدٍ مِنّا على غيرهِ إلَّا بالتقوى، والتقوى مَحِلّها القلب، لا يخدعنَّكمُ الشّيطان فتحكمونَ على هذا وذاكَ دونَ عِلمٍ ودراية بحاله، وإيَّاكم والظنّ فإنَّهُ أكذبُ الحديث، كما أنَّ بعضَ الظنّ إثم.. أعانَ اللَّهُ الصالحونَ على طاعتهِ وهَدى العاصونَ بهدايتهِ.