غريبةٌ هي تلكَ الفتاة، التي تتقوّى بالرِضا، وتتقبّل سوء القضاء دونَ شِكاية، كما أنَّ قلبها ينبضُ بحمدِ اللَّهِ في الضّراءِ والسرّاء، وقُدِّمَتْ الضّراءُ على السرّاءِ لكثرةِ ما لاقتْ من ضّررٍ في حياتها، رُغم ذلكَ تبتسم يقينًا منها أنَّ اللَّهَ الذي يُحيي الموتى قادرٌ على جَبرِها وهو على كُلّ شيءٍ قدير.
تُرى ما الذي يجعلُ المرءَ يَرضى ما يكرهُ ويقبل ما لا يَروقه؟
إنَّهُ الحُبّ لا غيره، أجل الحُبّ، الحُبّ الذي يجعلُ المرءَ يَرضى ما يكرهُ من قضاءِ اللَّه، الحُبّ الذي يجعلُ المرءَ يَقبلُ ما لا يَروقهُ من أقدارِ المولى جلَّ في عُلاه، الحُبّ الذي يَنبِضُ بهِ قلب عبدٍ أخلصَ النيّةَ لخالقهِ فجعلَ محبّتهِ سُبحانَهُ وتعالى دفينةُ قلبهِ.
إذا سَكَنَ حُبُّ اللَّه قلبَ عبدٍ سَكَنَ قلبهُ وقَوِيَ إيمانه، فتراهُ لا يعبأ بالدُّنيا وما عليها؛ إذ رأها على حقيقتها فزهدَ فيها، لا يشغلهُ زيفها، ولا تخدعنَّهُ ألوانها، ولا يُحزنهُ فواتها، فهو يَراها طريقٌ للدارِ الآخرة ليسَ إلَّا.
حينَ يأذنَ اللَّهُ لكَ بالبلاءِ لا تَكُن هَشًّا فتخسر وتندم، ولكنْ عليكَ بالرِضا قبلَ الصبر، فالرِضا يعني صِدق محبّتكَ للَّهِ وإيمانكَ من عدلهِ سُبحانَهُ وتعالى، والصبر يعني اِستسلامكَ طواعيةً لأمرِ رَبّكَ الذي هو أعلمُ بكَ منكَ، لذا لا تَكُن هَشًّا مهما أصابكَ من بلاء، وتذكّر أنَّ الذي قَدّرَ عليكَ البلاء هو الذي خَلقكَ من الطّينِ فأنعمَ عليكَ بالحياة، وكرّمكَ فكُنتَ آدميًا، وأعزَّكَ بالإسلام فاحمدهُ حمدًا كثيرًا فهو أهلُ ذاك.
لا تحزن وإنْ فُطِرَ قلبكَ من قضاءِ ربّك، وتذكّر قول أبا عُبيدة ابن الجرّاح _رَضيَ اللَّهُ عنه_ لأميرِ المؤمنين (أبا حفصٍ عُمر الفاروق): "لا تحزن إنَّما هي أيَّامٌ ونَمضي.
فبَكى رَضيَ اللَّهُ عنهُ وقال: كُلّنا غيّرتنا الدُّنيا إلَّا أنتَ يا أبا عُبيدة".