سبحانَ مَن جعلكِ قَطينة قلبي أُمّي!
مُذ فطرني اللَّهُ لم أُحِبُّ أحدًا كحُبّكِ أُمّي، أراكِ أماني الذي ما شَعرتُ بهِ إلَّا معكِ، أراكِ النبضة التي طالما حَييتُ بسببها ولأجلها، فكُلّما اشتدّ البلاء تحسستُ قلبي فأطمئنّ لوجودِ النبضة مازالت تعمل.
أُمّي كَنزي الثمين الذي أُخبّأهُ بينَ أضلُعي لأبقى على قيدِ الحياة.
مَن يُحِبُّ أُمّي أفتح لهُ غُرفًا بقلبي، وآخذهُ معي في دُعائي، ويَعِزُّ عليَّ خاطره، ومَن يُؤذي أُمّي ولو بحرفٍ يلفظهُ قلبي، ولا أراهُ ولو كانَ ماثلًا أمامي.
خاطرُ أُمّي من خاطري بل وأعظم، فمَن جَبَرَها جُبِر، ومَن استهانَ أهنتهُ بالتجاهل، وقتلتهُ بالنسيانِ، وجعلتهُ غريبًا عنّي ولو كانَ من أقربِ المُقرّبينَ إليَّ.
عندَ الحديثِ عن أُمّي فإنَّني أتحدّثُ عن حياتي، وحياتي قد أودعتُها اللَّه من قبل، فمَن آذاها آذاهُ اللَّه.
لستُ أُجيدُ مُسامحة مَن أخطأ بحقِّ أُمّي وإنْ كانتْ الرَحِمُ تجمعنا، لكنَّ أُمّي تفعل فتُسامح حدَّ الزيادة، وتؤثر عليَّ فأُسامِحَ لأجلِ رَبّي ولكن بعد أنْ يروقَ ما بداخلي، فلستُ من الذينَ يغضبونَ من أحدٍ ويتعاملونَ معهُ وبداخلهم حُزنٌ دفين، إمَّا أنْ تُصالح أو تُسامِح؛ وتُصالح هذهِ مع مَن تبقى على عِشرتهِ، أمَّا تُسامِحَ فلوجهِ الرحمٰن وبعدها يعود غريبًا كما كان.
مَن لا يُقدّرُ خاطرَ أُمّي فهو بعيدٌ عنّي وإنْ كانتْ القُربى تجمعنا، ولا خاطرَ لهُ عندي، لكنَّ المُعاملة بالحُسنى هي من واجب الإسلام، وشتّان بينَ أنْ تُعاملَ أحدًا لأنَّهُ على مَقرُبةٍ منكَ، وبينَ أنْ تُعاملهُ للَّهِ كعمومِ النّاس.
مَن أحسنَ إلى أُمّي بحرفٍ أحسنتُ إليهِ بمُجلّد.
أُمّي لا ضرّني اللَّهُ فيكِ، ولا أوجعَ قلبي عليكِ، ولا حرمني بَرَكَتكِ.. أُمّي أنتِ رَّوحي في جسدٍ ثاني، أدعو اللَّهَ أنْ يحفظكِ لي ويزيدكِ عُمرًا من عُمري، وأنْ يقبضني قبلكِ.. إنَّ رَبّي ذو الفضل والمِنّة.