سألتْها: كيفَ ترينَ الحياة؟
أجابتْ: أراها طريقٌ للعبورِ إلى الدارِ الآخرة.
سألتْها: أيُمكنُكِ العَيش بدون مال؟
أجابتْ: ولِمَ لا؟
ثُمَّ إنَّ المال ليسَ ماءً أو هواءً كي لا يُمكنُني العَيش بدونهِ، المال سيّدتي العزيزة هو نتاجُ فعلٍ، كما أنَّهُ رزقٌ ومُقسِّمُ الأرزاق هو اللَّه، ومَن كانَ رِزْقُهُ على اللَّهِ فلا يَحزَن، ولا يجزع، ولا يَحملُ هَمًّا.
سألتْها: أيُمكنُ للمرءِ العَيشَ بدون كرامة؟
أجابتْ: سَلِ المرء سيّدتي وعليهِ ستعرفينَ الإجابة.
سألتْها: أيُمكنُكِ العَيش بدون كرامة؟
أجابتْ: خَلقني اللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى فأكرمني وأعزّني، لذا فالكرامة جبلّةٌ في الإنسان، وهي جزءٌ أساسيٌ بالنسبةِ لهُ كَما الماء للسمك، يُمكنُني العَيش تحت أيّ ظرفٍ طالما لم تُمَسّ كرامتي، فإنْ هي مُسَّتْ كيفَ لي العيشَ بإقتطاعِ جزءٍ من جبلّتي التي جُبِلتُ عليها؟
سألتْها: إنْ خُيِّرتِ بينَ أمرينِ، على ماذا تبنينَ اِختياركِ؟
أجابتْ: على أصلحهُما، وأكثرهُما نفعًا، وأقلّهُما ضررًا.
سألتْها: هل لذاكراتكِ حظًّا من ذاكرةِ السمك؟
ضحكت تبسُمًا قبلَ أنْ تُجيب: أنعمَ اللَّهُ عليَّ بذاكرةٍ قوّية، لكنَّ أمور الحياةِ كثيرة، لذا فإنَّ بعض النسيانِ نعمة، أحيانًا أنسى نتيجة كثرة الضغط على الذاكرة، ممّا يضطرها لنسيانِ بعض الأمور، وأحيانًا أُخرى أتناولُ بعض مُكمّلات الغذاء التي تحتوي على زيتِ السمك في صورةِ كبسولات، لأزيدَ من قوّة ذاكرتي وتركيزي.
سألتْها: ما الذي لا تنساهُ ذاكرتكِ؟
أجابتْ: مَن أحسنَ إليَّ ولو بحرفٍ، ومَن أساءَ إليَّ ولو بالظنّ.
سألتْها: أيُمكنُ أخذ الحقّ بالتجاهُل؟
أجابتْ: على حسبِ قيمة وقدر الحقّ، لكنْ في عمومِ الأمر أرى في التجاهُلِ قوّة، ثُمَّ إنَّهُ ليفعلُ ما لا يفعلهُ غيره، هو فنٌ بحدِّ ذاتهِ لا يقدرُ عليهِ سوى العُقلاء.
سألتْها: أحدثَ واستخدمتِ هذهِ القوّة من قبل؟
أجابتْ: أجل.
سألتْها: أيُمكنُكِ التوضيح؟
أجابتْ: حسنًا، مَن يستحقّ التجاهُل لا أحرمهُ إيَّاه.
سألتْها: ومَن الذي يستحقّهُ من وجهةِ نظركِ؟
أجابتْ: كُلّ ناكرٍ للجميل، مُتناسيًا المعروف، أخَّاذًا للتقديرِ دونَ ردّهِ، شاعرًا بنفسهِ، جُلمودًا لغيرهِ، وهكذا.
سألتْها؛ هل علّمتكِ الحياة شيئًا؟
أجابتْ بعدَ أنْ تبسمتْ: بل أشياء.
سألتْها: هل لكِ أنْ تذكُريها لنا؟
أجابتْ: سأذكُرُ بعضًا منها، لأنَّ الوقتَ لن يسعَ ذكرها كُلّها.. علّمتني الحياة أنَّ لا أضعَ عقلي جانبًا وأسيرُ بالعاطفة، وأنْ لا أقتُلَ العاطفة بداخلي ليصحو عقلي، بل التوسطُ بينَ هذا وذاك، لا شيء يطغى على آخر.
علّمتني الحياة أنَّ قلبي أثمنُ ما أملك؛ إذ أنَّهُ محلّ نظر الرحمٰن، لذا فالاهتمام بما يحويهِ وتفقدهِ أولى من الاهتمامِ بأيّ شيءٍ آخر.
علّمتني الحياة أنَّ أُعامِلَ مَن يستحقُّ من النَّاسِ بأصلي، أمَّا مَن كانَ دونَ ذلكَ فإنَّ في اِجتنابهِ رحمة وراحة.
علّمتني الحياة أنَّ الشِدّة مُدّة فلترة للعلاقات، وأنَّ القرابةَ ليستْ رَحمًا وحسب، فرُبَّ أهلٍ لم تَجمعكَ بِهم قَرابة تجدهم حالَ النوازل، بينما يتبخر ذوي الرَحِم حتّى لا تجد لهم أثرًا.
علّمتني الحياة أنَّ مَن تسبّبَ في بسمتي كانَ لزامًا عليَّ أنْ أُدخلَ السرورَ على قلبهِ قدر المُستطاع.
علّمتني الحياة أنْ لا أسمحَ لأحدٍ أنْ يضعني في مُقارنةٍ مع أحدٍ ما دامَ لم يَعش حياتي، ولم يمرّ بظروفي، ولن يفعل؛ لأنَّ حياتي واحدة لن تتكرر لهُ، وظروفي لا تُشابهُ ظروفهُ، إذًا فإنَّ في المُقارنةِ ظُلمًا لا أقبلُ بهِ.
تبسمتْ لها السائلة قبلَ أنْ تشكرها على حوارها الثري وتُغادر.