البعض يخلط بينَ الرجولة والأفعال المُشينة، مُبررًا أنَّ الرجل يفعل ما بوسعهِ دون حياءٍ فالحياء من صفاتِ النساء، ولا يعلمونَ أنَّ الحياءَ من الإيمان كما أخبرَ بذلك الصادق المصدوق سيدُنا مُحمّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بل هُم غير واعينَ بأنَّ الرجولة صفات وليست حِكرًا على نوعٍ بشريٍ دونَ الآخر؛ فيُمكنُ لامرأةٍ خلوقةٍ شهماء أن تكونَ رجلًا بمواقفها النبيلة ومبادئها الشريفة، كما يُمكنُ للرجلِ أن يكونَ كذلك، إذًا الرجولة صفات تُبيّنها المواقف.
وتحت مقولة "إذا كُنتَ رجلًا فلتفعل كذا" حَدّث ولا حرج؛ فبسببها راحَ الكثير من الشباب ضحيةً للتجرُبة اللاأخلاقية في ظلِّ غيابِ الوعي، فمثلًا أحد الشباب قد رأى الصلاحَ على زميلٍ لهُ في الدراسة، يُؤدي فرائضهُ بحُبٍّ ونشاط، يُطيعُ أمرَ والديه، يتفوق في الدراسة على سائرِ أقرانه، بالإضافة لهِوايتهِ للقراءة ومُمارسة التمارين الرياضية، توّغرَ صدره فأسرعَ لسحبهِ لعالِمهِ الردئ؛ ظلّ يتقرب منهُ ويتودد إليهِ حتّى صادقهُ وأَطمئنَّ لهُ، فبدأ يكشف عن نِيّتهِ شيئاً فشيئاً؛ حيثُ عرضَ عليهِ التدخين ولكنَّهُ رَفض، فجمعهُ برِفقةِ السوء وتحداهُ إن كانَ رجُلاً أن يُدخن بعض السجائر، غَضِبَ الشابّ الصالح وأرادَ أن يُثبِتَ لهم أنَّهُ رجُلًا لا يَقِلُّ عنهم رجولةً ففعلَ ما أرادوا وتلكَ كانتْ البداية، بداية النهاية؛ ليجرّوهُ بعدها إلى طريقِ الدمار.. إلى إدمانِ المُخدِرات!
مَرّت الأيَّام وتوغلَّ صاحبُنا في عالَمهِ الجديد حتّى تراجعَ تحصيلهِ الدراسي، وتركَ مُمارسة الرياضة، واعتزلَ الفرائض، كما أضحى سارقًا لمالِ أبيهِ وأغراض البيت ومجوهرات أُمّه.
لاحظتْ الأُسرة التغيُرات التي طرأتْ عليهِ، فأخذَ الأبّ يرقُبهُ حتّى عَلِمَ بالكارثة حينَ رآهُ يدلِفُ وكر أصدقاء السوء، دلفَ وراءهُ وجذبهُ منهم ثُمَّ ذهبَ بهِ إلى إحدى المصّحات المُكافحة للإدمان، قرار صائب من أبٍ حكيمٍ ولكن بعدَ ماذا؟
بعد أن خَسِرَ الشابّ صّحته ولياقته وسُمعته ودراسته وبعض عمره.
المُخدِرات طريق الضياع والبلايا، والأمراض والأوجاع والحسرة والندامة؛ فهي السِتار لكُلِّ ما لا يُرضي اللَّه وما لا يقبل بهِ عقل، بل هي أصل الرذائل ومنبع المفاسد وبيئة خِصبة للدياثة، فالمُتعاطي لها يُقتَلُ بقلبهِ الحياء، وتموتُ بعقلهِ النخوة وتضيعُ بنفسهِ الحِمية، فيسهُل عليهِ التفريطِ بعِرضهِ بل ولرُّبما فعلَ ما هو أمرُّ وأفجع فبدلًا من أن يذُبّ عنهُ يغتصبهُ!
المُخدِرات ألّدُ أعداء العقل؛ إذ بها يُسكَر ويَجمُد عن نشاطهِ فيحدُث ما لا يُمكن توقُع حدوثه.
إنَّ الأُمّة التي ينشأ شبابها على تعاطي المُخدِرات هي أُمّة لا فائدة بها ولا طائل منها؛ إذ لا تُسمن ولا تُغني من تقدُّمٍ لتُسابِقَ بهِ مثيلاتها من الأُمّم الأُخرى، كما أنَّها تُعرَف بالهشاشة أمامَ غيرها، نظراً لترك شبابها ما وجب عليهم فِعله بتعاطيهم للمُخدِراتِ والتي تسلبهم جُلّ وقتهم بالإضافة لنفائس أُخرى.
وتُعَدُّ المُخدِرات أشدُّ أنواع الإحتلال لأيِّ دولةٍ وُجِدَتْ بها؛ حيثُ يضيع الأمان بوجودها، وعليهِ تُرتَكب الجرائم ويُخالَف القانون، كما تقضي على مكانة الدولة سواء محلّياً أو دُولياً، وذلك عن طريق الترويج السيء للدولة ممّا يؤثر سلباً على السياحة، والتي من شأنها أن تقتل المكانة الدولية للدولة، وهذا ما يُريدهُ الأعداء، أن تظلّ الدولة مُنشغلة بمِثلِ هذهِ الأمور لا تتقدّم خُطوة نحو الأمام.
أيضاً تُعتَبر المُخدِرات أكثر تهديدًا للدولة من عدوها الخارجي؛ إذ العدو المعروف يَسهُل التعامل معهُ، أمَّا المتوطن في الداخل يأخذ وقتًا وجُهدًا لإجتزازه.
وليعلم مُتعاطي المُخدِرات بأنَّهُ يضرّ بذلك نفسه وأهله وذويه ومُجتمعه؛ فالتأثير السلبي المُترتب على تعاطيها يُمكن أن يؤدي إلى ما لا يُحمَد عُقباه.
كما أنَّهُ يُخالفُ بذلك أمرَ اللَّهِ _سبحانهُ وتعالى_ وهَدي رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليحذر من عذابِ الدنيا قبل الآخرة، وليكُن أوّل ما يُفكّر بهِ هو حفظ عِرضهِ لا التعدّي عليه.
بإمكانكَ أُخيّا أن تفعلها، أجل أن تُقلِعَ عن تعاطيها، وتعود نظيفًا طيّبًا كما كُنتَ، بعدما تغسل نفسكَ من دَنَسِها وتجتز براثنها اللعينة من جسدكَ الذي أضحى هزيلًا بفِعلها.
أتعلمُ أُخيّا أنَّكَ بالإرادة تقوى على هزيمتها، وتُزيل بذلك حِجابها البغيض عن تاج النِعم وزينة الجسد عن عقلكَ الذي تَعِبَ من الجمود.
لا تُصاحب رُفقاء السوء فكما قِيل: "الصاحب ساحب"، ولا تَغرنَّكَ التجارب المبنية على حَجبِ العقل عن عمله، كُن كما أنتَ رجُلًا ولا تقبل وإن رموكِ بسوءِ القول.
المُخدِرات بداية النهاية، وليسَ تعاطيها مُقتصرًا على الشباب، فهُناكَ كهول وشيوخ ورُّبما عجائز يتعاطونها ليُدّمروا حيوات أُسرِهم بأيديهم حينَ رضوا بحَجبِ العقلِ عن عملهِ بالمُسكرات، وصدق رسولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حينَ قال: "كُلّ مُسكِرٍ حرام".