حينَ أتأملُ البلاء أيقُنُ أنَّ اللَّهَ ما أنزلهُ بعبدٍ إلَّا لحُبِّهِ له، أتدرونَ لماذا؟
لأنَّ اللَّهَ أرادَ أنْ يَسمعَ صوتهُ لذا حلَّ بهِ البلاء.
لا يَحلّ البلاء إلَّا لمَن اختارهُ الرحمٰن، والدليل أنَّ أُناسًا بعينهم يُبتَلونَ كُلٌّ على قدرِ دينه، أراكَ تتساءل: وهل البلاء يَزيدُهم صلابةً في دِينهم أم يُنقِصَهم؟
بل يَزيدُهم؛ لأنَّ البلاء خير وإنْ بدا في ظاهرهِ غير ذلك، فاللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى حينَ يُحِبُّ عبدًا يَبتليهِ ليُقوّي إيمانهُ ويُصّقل صبره.
سُبحانَ مَن أنعمَ علينا بالبلاءِ لنَعلمَ قدرنا عنده!
لا تَظنّ نفسكَ في مأمنٍ من بلاءِ الرحمٰن، وإنْ فعلتَ فلتُراجع قلبك، قلبكَ الذي يحوي بداخلهِ غُرفًا وأبواب؛ إنْ شئتَ أسكنتها مَن تُحِبّ، وإنْ شئتَ أغلقتَ أبوابهُ عليك، لكنَّ السعادة الحقيقية هي أنْ تُسكِنَ حُبّ اللَّه غُرفهُ، وأنْ تفتحَ للرضا بقضاءِ اللَّهِ وقدرهِ أبوابه، حينها ستعي حقيقة الدُّنيا فتراكَ زاهدًا فيها.
سُبحانَ مَن جعلَ رِضاهُ سعادةً لمَن اِصطفاه!
الرضا هذا الجُندي المجهول وراء كُلّ بَسمة كانَ مَحِلّها دَمعة، الرضا هو وَهَجَ الأمل برَّوحٍ تراكمتْ عليها أسباب الإنطفاء، الرضا هو مِخيطٍ لجروحٍ خلّفها بقلبكَ سوء القضاء، الرضا هو المُتَسع رُغم ضِيقِ الحياة، الرضا هو الشعور بالغِنى حتّى في أضيقِ الأحوال، الرضا هو الإكتفاء باللَّهِ عمَّن سواه.
إنْ كانَ يَعزّ حالك على قلبٍ حبيب فما بالك بأرحم الراحمين؟
ما بالُكَ بحُبِّ اللَّهِ لكَ؟
ما بالُكَ برحمتهِ بك؟
هو أحنُّ عليكَ من أُمّكَ وأبيكَ وسائر بني آدم.. أتظُنّهُ يَسمعُ همهماتكَ ولا يُعطيكَ سؤلك؟
حاشاهُ أنْ يترككَ لهَمّكَ وما أهمّك.
حاشاهُ أنْ يدعَ قلبكَ مُرتجفًا دونَ أنْ يُطمئنه.
حاشاهُ أنْ يخذُلكَ حاشاه.
أنتَ لستَ وحيدًا فاللَّهُ معك، لستَ عليلًا واللَّهُ طبيبُك، لستَ حزينًا والجبّارُ خالِقُك، لستَ ضعيفًا والقوّيُ مَليكُك، لستَ مهزومًا والناصرُ سَيّدُك.
ما أنتَ إلَّا عبدٌ أحبَّهُ اللَّهُ فابتلاه، فصبرَ فزادهُ بلاءً ليُضاعِفَ أجره، ويُعلي شأنه، ويرفع قدرَه، ويُعزّز مكانته.
لا تحزن فالحُزن يأكل القلوب كما تأكل النّار الحطب.
لا تحزن فالحُزن يُسقِطُ الشَعر، ويُظهر حبوب الوجه، ويُخسِر الوزن، ويُخفي لَمعة العَين، وأخيرًا يُبهِتُ الجمال.
لا تحزن فقلبكُ أرقُ من أنْ يخترقهُ ظلام الحُزن.
لا تحزن فقلبكُ حديقةٌ غَنَّاء لا يَليقُ بشَبحِ الحُزن أنْ يسكُنها.
لا تحزن وأنتَ الذي إنْ فُرِجَتْ شفتاك أضاءَ مُحيّاك.
لا تحزن وأنتَ العزيزُ بربّهِ لا يُذَلُّ لغيرهِ.
لا تَذبُل مهما تكالبتْ عليكَ الهموم، وإِيَّاكَ إِيَّاكَ أنْ تَنامَ مَهموم، لا تُشغِل عقلكَ بالتفكير فاللَّهُ ولّيُ التدبير.
لا تنطفئ وأنتَ وَهَجُ الأملِ للكثيرين.
لا تحزن باللَّهِ عليك، وحافِظ على لَمعةِ عينيك.
لا تحزن فاللَّهُ معكَ ولن يتخلّى عنك.