قصّة قصيرة
----
أُمّي ما الذي يفعلهُ أبي؟
لا أدري بُنيّ، هو يقول أنَّهُ يَذكُرُ اللَّه.
ولكنَّهُ يَذكُرُ أسماء أُناس، كما أنَّهُ يَنطِقُ على اللَّهِ هُو، وأشياء عجيبة غريبة لم نتعلّمها في حصّة الدّين بالمدرسة.
الأُمّ: سَلمة دعكَ من التركيزِ معه، فقد نَهيتهُ قبلَ ذلكَ لكنَّهُ لم ينتهي.
سَلمة: حسنًا أُمّي كما تُريدين.
سَمِعَ سَلمة أباهُ يقول لأُمّهِ أنَّهُ صوفي، ولن يتخلّى عن العهدِ القديم، حتّى تُقبَض رَّوحه.
تركتهُ عائشة كما تفعل حينَ يتشاجرانِ بسببِ الطريقة الخاطئة التي يتبعها زكريا في طاعةِ المولى عزَّ وجلّ.
سألها سَلمة بعدَ أنْ هدأتْ عن العهدِ القديم الذي ذِكرهُ والده، لكنَّها أشركتهُ في موضوعٍ آخر، ولم تُجبه.
لم يَركَن سَلمة لعدمِ إجابةِ أُمّه؛ فقد أخذَ يُفكّر كيفَ يصل لمُبتغاهُ بمعرفةِ ماهية الصوفية، التي طردتْ السَكينةَ من بيتهم طردًا؟
وهل هي من الدّينِ أم من خارجه؟
وهل كانَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوفيًّا؟
ظَلَّ يُفكّر كثيرًا حتّى أخبرَ مُعلّم التربية الدينية بما يدور برأسه، إذ أنَّ المُعلّمَ يُحِبُّهُ كثيرًا كما لو كان ابنه.
سَمِعَ المُعلّم من سَلمة، ثُمَّ أخبرهُ أنَّ النبيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ ما كانَ صوفيًّا، إذ الصوفية طائفة مُبتدَعة كَسائرِ الطوائف التي ظهرتْ في الزمانِ القريب، كما أنَّ دّينَ اللَّهِ هو الإسلام، ولكي أُسّهلها عليك، التمّسُك بكتابِ اللَّهِ وسُنّة رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كما وصّانا الحبيب سيدنا مُحمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فانظر إلى محلّ الوصيّةَ من الأعمال، سَتَجِدْ إجابة ما يدورُ برأسكَ من أسئلة.
عادَ سَلمة إلى البيتِ مَهمومًا، عَلَاَ صوت أبيهِ بما يقولهُ من أورادٍ كَسائرِ الأيَّام، طرقَ سَلمة الباب ودلفَ ليستأذنهُ في قراءةِ الكُتيّب الذي يقرأ منه، أعطاهُ زكريا الكُتيّب وقد تهللتْ أساريره؛ ظنًّا منهُ أنَّ سَلمةَ قد وافقَ على اِتباعِ الصوفية، لكنَّهُ خيّبَ ظَنّهُ حينَ أخبرهُ أنَّ هذا الكُتيّب يحوي بداخلهِ الضلال، ولا عَلاقةَ لِمَا سُطِرَ بهِ من دّينِ اللَّه، كما أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهُ براء، ومَن سارَ على نَهجِ هذا الضلال رَضيَ الشَّيطانُ عنهُ وأرضاه.
صفعهُ زكريا فأدمى وجهه، وأخذَ الكُتيّب منهُ وقَبّلَه، ثُمَّ اِنهالَ عليهِ بالسُبابِ بأقذرِ الألفاظ، حتّى جاءتْ عائشة من المطبخ، فبكتْ لرؤيةِ وجه ابنها النازف، وأخذتهُ لتُطبّبَه.
سألها سَلمة وهي تمسحُ لهُ الدَّم عن سببِ زواجها من أبيه، أجابتهُ بأنَّهُ النصيب والقدر، لم يستطع أنْ يكتم دمعهُ من التدّفُق.
أوقفتْ عائشة نزف وجه سَلمة، ثُمَّ ربتتْ على كتفهِ وأخبرتهُ أنَّ اللَّهَ سيجعل لهم مخرجًا، سألها سَلمة ثانيةً: لماذا وافقَ جَدّي وأخوالي تزويجكِ لأبي، وهو أقل منكِ فِكريًا وثقافيًا وتعليميًا، حتّى في طاعةِ المولى عزَّ وجلّ أنتِ حافظةٌ للقرآنِ العظيم، بينما هو لم يتجاوز حفظه قِصار السور، لماذا أُمّي؟
أجابتهُ بصوتٍ مذبوح بعد ما ذرفتْ عيناها: لضِيقِ حالهم ولدي زوّجوني له.
ربتْ سَلمة على يدها بحنانٍ بعدَ أنْ قَبَّلها وأردف: اللَّهُ قَدّرَ كُلّ هذا وهو كفيلٌ بهِ عائش.
تبسمتْ لهُ وأضافتْ: ونعمَ باللَّهِ العليِّ العظيم، سَلمة سَلوتي من الدُّنيا.
مَرّت الأيَّام وبَلَغَ سَلمة الخامسةَ عشر، وهُنا عادَ يُحدّث زكريا في التوبةِ من الضلالِ الذي سَلَكَ طريقه، لكنَّهُ لم ينتهي بل وأخذَ يُفاخر بزيارةِ الأضرحة، والتوّسُلِ بالموتى، ويدعو أصحابهُ لفِعلِ ما يفعل، لكنَّ أحدهم قاطعه، وأخبرهُ أنَّ ما يفعلهُ ضلال لا عَلاقةَ لهُ بالدّين.
تحدّثتْ معهُ عائشة لكنَّهُ زجرها وسَبّها، بل وامتنعَ عن الإنفاقِ عليها هي وسَلمة، ممّا اضطر سَلمة للعملِ في أحد الأسواق، كي يكفي حاجة البيت.
لم يستسلم سَلمة لليأسِ من أمرِ أبيه، فقد طلبَ من أحدِ الشيوخ أنْ يُحِدّثهُ بالحقّ، ففعلَ لكنَّ زكريا أخبرهُ أنَّهُ على هذهِ الطريقة مُنذُ العهد القديم، العهد الذي أعطاهُ إيَّاهُ أحد السودانيينَ حينَ كانَ يعمل بإحدى الدول العربية، وأخبرهُ أنَّهُ طائفة تهيمُ عشقًا في رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وبهذا يُفضّلَونَ على غيرهم من باقي المُسلمين، كما أنَّ مَن ينتهج نهجهم يُصبحَ من آلِ بيتِ النبيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ في ليلةٍ وضُحاها.
عادَ الشيخ بُخفيّ حنين ليُخبرَ سَلمة أنَّ زكريا قد غُرِرَ بهِ لجهلهِ من قِبلِ دُعاةِ الضلال، الذينَ أوهموهُ أنَّ الإسلام هو الصوفية، أمَّا ما كانَ دونَ ذلكَ فما هو إلَّا كُفرٌ مَحضّ!
كما أنَّ زكريا قد بَرَهَنَ على ثباتِ موقفه، بأنَّ أحد أشهر المُفتين يدعو إلى الصوفية، بل ويتشدّق بها في برامجهِ المُتلفزة.
ثُمَّ طَلَّقَ زكريا عائشة؛ لعدم اِنصياعها لأمرهِ بإتباعِ الصوفية، وطردها هي وسَلمة من البيت.
اِستأجرَ سَلمة غُرفة تأويهِ وأُمّه، وظَلَّ يُكافح حتّى اشترى لها بيتًا، بعدَ أنْ تخرّجَ من كُلّيةِ الهندسة وعَمِلَ بإحدى شركات المُقاولات، بعدها سافرَ للعملِ بإحدى الدول الآسيوية، وأخذَ أُمّه لتُقيمَ معهُ هو وزوجهِ وأبناءه.
أمَّا عن زكريا فلا زالَ زوّارًا للأضرحة، مُتوّسلًا بالموتى، مُتبّعًا دُعاة الضلال، يُنفقُ من خيرِ أرضهِ في سبيلِ الشَّيطان، ورغم أنَّ بعض الشيوخ والمُثّقفينَ قد علّموهُ بالطريقِ الذي لا ينتهي عن السيرِ فيه، إلَّا أنَّهُ ضربَ بما سَمِعَ منهم عَرض الحائط.
بل وسافرَ السودان ليُقابلَ مَن أعطاهُ العهد القديم، ليُعطيهِ الجديد من العهد.. فكانَ تَعلُّمِ السِّحر.