تذكّرتُ حديثًا مضتْ عليهِ خمسة أعوام، حينَ سألتُ أحدُهم: قد انخفضَ سعر بيع اللحوم قليلًا.. وماذا عن أسعار بيع وشراء الحمير؟
فأجابني ذاكَ الفلّاح _رَحِمَهُ اللَّه_ : قد ارتفعَ كثيرًا وقَلَّ عدد الحمير تدريجيًا حتّى أصبحَ ملحوظًا.
سألتُهُ: لماذا؟!
أجاب: لأنَّ بعض تُجّار الحمير من خارجِ هذهِ المُحافظة يأتونَ لشراء الحمير بقدرِ ثمنها مرّة ونصف، ثُمَّ يذهبونَ بها بعيدًا عن النّاس ويقومونَ بذبحها، وبيعها لمطاعم الوجبات المُعتمدة في طهوها على اللحوم، ومن ثَمَّ تُقدَّم للزبائن على أنَّها لحوم بقر وجاموس، ولا يستطيع الزبون التفرِقة بينها وبينَ الحلالِ منها؛ نظرًا لتدليس تلك المطاعم عليها بالبُهار وخلطات التوابل الأُخرى.
أخذتني الدهشة حينها من الأسعار الباهظة لبيع وشراء الحمير _التي يعتليها الإنسان ويقضي بها حوائجه_ فسبحانَ اللَّهِ على ما وصلت إليهِ أحوال بني آدم!
عجبتُ لعصرٍ ارتفعت فيهِ أسعار الحمير بينما انحطت أخلاق الرجال _إلَّا مَن رَحمِ رَبّي _ وعلى اللَّهِ العِوَض.
ما دفعني لكتابةِ هذهِ الكلمات هو الوضع الصعيب والمُتردّي الذي وصلَ إليهِ حال الإنسان، الذي هو أكرم مخلوقات اللَّهِ في هذهِ الدُّنيا، والذي أصبحَ أهون كائن حَيّ على وجهِ الأرض يُحرَم حقوقه، ويُسفَك دَمُه، ويُهتَك عِرضه، ويُحرَق حيًّا، ويُمَثّل بجسدهِ كما في مُسلمي الروهينجا.
أليسَ من العجيبِ أن يكونَ للحمارِ وإخوتهِ حقوق وراءها مُنظمات دولية تُطالب بها، بينما يُسحَق الإنسان سَحقًا بسببِ دينهِ مثلًا، كما قال بذلك أحد المُضطهَدين من الروهينجا إجابةً على سؤال أحد الإعلاميين المصريين _الذي سافرَ إليهم ليُسجّلَ مُعاناتهم _: لماذا يُفعَل بكم كُلّ هذا؟
فأجابهُ بحسرة ومرارة:" لأننا مُسلم .. فقط لأننا مُسلم ".
وأضافَ أنَّ جيش بلادهِ قال لهم: "اتركوا دينكم ونترككم"، فتركوا بلدهم رُغمًا عنهم مُهجّرين، تركوا أمتعتهم، وكُلّ ما يخُصّهم، وفرّوا بدينهم مُتخِذينَ من قول اللَّهِ تعالى "ومَن يخرُج مِن بيتهِ مُهاجرًا إلى اللَّهِ ورسولهِ ثُمَّ يُدرِكُهُ الموتُ فقد وقعَ أجرُهُ على اللَّه" رفيقًا لهم في دربهم الصعيبة.
ماسأة آدمية عالمية على مرأى ومَسمَع دونَ أنْ يُحرِّكَ المُجتمع الدُولي ساكنًا.
أينَ المُطالبينَ بحقوقِ الإنسان؟
أينَ المُطالبينَ بحقوقِ النساء؟
بل أينَ المُطالبينَ بحقوقِ الطفل؟
مُسلمي الروهينجا هُم في المقامِ الأوّل أُناس، فإذا كانتْ مُعاناة الحيوان تفطُر القلوب _مَن لا يَرحَم لا يُرحَم _ فما بالُكم بأُناسٍ يُفعَل بهم ما لا طاقة لهم بتحمُّلهِ، ولا طاقةَ لنا في مُشاهدتهِ مُجرد المُشاهدة.
ادعوا لبني آدمين الروهينجا فإنَّهم الآنَ يُحرَقون!!!