حينَ قرأتُ إحدى التراجم وكانتْ مَعنيّة بحياةِ الأستاذ عبد الوهاب مطاوع، تساءلتُ: من أيّ العُصورِ كانَ ذلكَ الرَجُل؟
فرغم أنَّ اللَّهَ قد زيَّنَ بهِ العصر الذي وُضِعَ فيهِ، إلَّا أنَّ شخصيتهُ تُوحي بأنَّهُ تخلّفَ عن زمنٍ كانتْ فيهِ الغَلَبَة للعربِ بعدما توّسعتْ الفتوحات الإسلامية، ونُقِلَتْ على إثرها الحضارة العربية العريقة إلى شتّى بِقاعِ الأرض.
لم يَخلقَ الرحمٰن _سُبحانَهُ وتعالى_ عبدًا إلَّا وفي خَلقهِ حِكمة؛ والدليل ثأثير بعض الشخصياتِ على المُجتمعاتِ التي فُطِروا عليها رغم كثرة أعداد الأُناسِ بها.
وقد جَعَلَ اللَّهُ لعبدهِ عبد الوهاب مطاوع حظًّا من التكريمِ فكانَ محلّ ثِقةِ الكثيرينَ من عِبادِ اللَّه، كما كانَ قِبلتهُم في شكوى الهموم، وإيداعِ المُشكلاتِ المُتنوعة.
تفكّرتُ في شخصيتهِ المُتفرّدة بكُلِّ ما فيها من جوانب فوجدتني أمامَ إنسانٍ بالمعنى الحرفي للكلمة، إنسانٌ كانَ كما أرادهُ اللَّهُ إنسان، لا يشغلهُ من الدُّنيا سوى ألَّا يردَّ أحدهم دونَ أنْ يجدَ لهُ حلًّا لِما جاءَ لأجله.
عبد الوهاب مطاوع مَيَّزهُ اللَّهُ حينَ زرعَ بنفسهِ حُبّ الخير، كما وَضَعَ لهُ القَبولَ في الأرضِ وعندَ النّاس، فما عَرِفَهُ أحدًا إلَّا وأحبَّه.
نشأ نشأةً سليمةً في بيئةٍ صّحية؛ حيثُ الرحمة والمودّة بينَ الأبوين، والحُبّ والاحترام المُتبَادَل بينهُما، وكذا التفاهُم والتوقير، والمعذرة والسماح، والثِقة والأمان.
كُلّ هذهِ المقومات البيئية كانتْ كفيلة بصُنعِ شخصيةٍ لا شبيهَ لها في عالَمِ الإنسانيات، وهذا يوضّح لنا أهمية البيئة في تأسيسِ النشء، ومدى تأثيرها على حياتهِ المُستقبلية فيما بعد، فالبيئة هي الأرض التي يُفطَر عليها الفرد، ويتغذّى منها ليُكوّنَ شخصيتهُ وأسلوبه، فإنْ كانتْ صّالحة أخرجتْ مواطنًا نافعًا لنفسهِ وغيرهِ من البشر، وإنْ كانتْ فاسدة أخرجتْ مواطنًا ناقمًا على نفسهِ والمُجتمع.
لم يَكُن عبد الوهاب مطاوع يَعلم أنَّهُ سيكون محطة الأمل لدى الكثيرِ من البشر، لكنَّ إرادةَ اللَّهِ اِقتضتْ ذلك، فكانَ وُجهةَ مَن فقدوا الأمان، وجُرحِوا بسَيفِ الغدر، ومَن ثَقُلَتْ أرواحهم بفِعلِ تراكُمِ الهموم، ومَن ضَعُفَتْ قوّتهم وقَلّتْ حيلتهم بكثرةِ ما يُلاقونَ من مُشكلاتٍ صعيبة.
لم يُفرّق رَحِمَهُ اللَّهُ بينَ رَجُلٍ وامرأة؛ ففي البلايا الكُلّ سواسية.
لم يضع قدمهُ رَحِمَهُ اللَّهُ في مكانٍ إلَّا وتركَ أثرهُ الطيّب بهِ.
اِتسمَ رَحِمَهُ اللَّهُ بحَملِ الأمانة، والمُحافظة على ثِقةِ مَن وثقوا به؛ فكانَ كُلّما أنهى تفحيص وتمحيص الرسائل الواردة لهُ بخصوصِ بريد الجُمعة، كانَ يأخذ منها ما شاء فيُنقحهُ ثُمَّ يقوم بحرقِ ما تبّقى منها بيدهِ دونَ أنْ يُطلِعَ عليها أحدٌ من فريقِ العمل؛ مُعلّلًا أنَّ هذهِ أسرار النَّاس ولا يصّح كشفها.
هوى القراءةَ مُنذُ صِغرهِ وشّجعهُ على هذهِ الهِواية أباهُ؛ حينَ خَصَّصَ لهُ بعض المالِ لشراءِ الكُتبِ بجانبِ مصروفهِ الأسبوعي، كما أتى لهُ بنجّارٍ ليصنعَ لهُ أوّل مكتبة في حياته، مكتبةٌ صغيرة تَحفظ كُتبهُ من الضياع، ليُعلّمَ ابنهُ أنَّ الكُتبَ قيّمةٌ ونفيسة حقَّها الحفظ والتقدير، لا العبث والبعثرة.
وليسَ بغريبٍ على أبيهِ أنْ يعلمَ قيمةَ الكُتبِ ويُعطيها قدرها؛ وهو الشيخ المُعلّم خرّيج الأزهر الشريف، لكنَّهُ اِنشغلَ بالتجارة فور تَخرُّجه.
أسلوب التربية الذي استخدمهُ الأبّ حُقَّ لهُ أنْ يُدّرَس؛ فقد رَّبّى ابنهُ كأفضلِ ما تكونُ التربية، دونَ أنْ يتركَ في نفسهِ بعض المُنّغصات، رّبَّاهُ بحُبٍّ مُنقطعِ النظير، كما أخلصَ للَّهِ في التربيةِ فكانَ ما يُرضيهِ في ولده.
عبد الوهاب مطاوع موسوعةٌ بحدِّ ذاته؛ حيثُ جَمَعَ مُختلَفِ العلوم، وأجادَ بعض اللُغات، كما تميَّزَ بمهارتهِ مُذ بدايتهِ في كتابةِ المقالات ممّا دفعهُ للعملِ بمؤسسةِ الأهرام قبلَ تَخرُّجهِ من الجامعة.
تفكّرتُ في شخصيتهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فانفرجتْ أساريري؛ إذ كانَ بيننا إنسانٌ يحملُ أسمى معاني الإنسانية، بجانبِ النُبلِ والشرفِ والكرامة، إنسانٌ قلّما وُجِدَ مِثله، يعملُ بإخلاصٍ ويُخلِصُ بصدقٍ ويَصدُقُ في نُصحهِ ويَنصحُ بأمانة.
عبد الوهاب مطاوع عِزّ الرجال؛ حيثُ رجولتهِ المعروفة، وشهامتهِ المعهودة، وحنانهِ الفيّاض، وإحساسهِ المُفرِط، وقلبهِ المليءُ بالرحمة، ورَّوحهِ المُشهورة بالنقاء، ونفسهِ العفيفة، وخِلالهِ الشريفة، وصفاتهِ الحميدة، وشِيَمهِ النبيلة.
عبد الوهاب مطاوع عبدٌ أحبَّهُ اللَّهُ فخصّهُ بقضاءِ حوائج ما شاء من عِباده.
ورغم كثرة أعمالهِ وضِيقِ وقتهِ إلَّا أنَّهُ لم يجعل ذلكَ سببًا يَشغلهُ عن العِبادة.
كانَ مُغرمًا بشخصيةِ سيدنا الفاروق عُمر بن الخطّاب _رَضيَ اللَّهُ عنه_ وقد أعدَّ عُدّتهُ لكتابةِ كتابٍ عنهُ لكنَّ قضاءَ اللَّهِ حالَ دونَ ذلكَ فكانتْ وفاتهِ رَحِمَهُ اللَّه.
عبد الوهاب مطاوع عِزّ الرجال
مُفكّرٌ عالِمٌ شريف المقال
حَمَلَ همومًا كالجبال
لم يسخط على أيّةِ حال
عَرِفَ اللَّهَ فكانَ رِضاهُ المنال
عبد الوهاب مطاوع إنسان
يُنثُرُ حُبًّا وحنان
يُهدي صدقًا وأمان
عاشَ راضيًا غير غضبان
لم يُؤذي أحدًا ولو باللسان
ما خذلَ يومًا قلبَ إنسان
جاهَدَ ليُطمئنَ قلبًا حيران
عَرفَ حقيقة الدُّنيا فابتغى وجه الرحمٰن
عبد الوهاب مطاوع مصدر تفاؤل وسعادة
شخصية فذّة غير مُعتادة
فِكرٌ مُميّزٌ يا سادة
سُبحانَ مَن خلقهُ وعلّمه
وأدّبهُ ومَيَّزهُ وجَمَّله
عبد الوهاب مطاوع إنسان
كانَ كما أرادهُ الحنّان.