أخرجتْ دفترها لتسطُر بعض مشاعرها.. دفتري العزيز والذي لا يحوي بداخلهِ سوى الكَلِمِ العزيز، كم أُحِبُّكَ دفتري؟
فأنتَ لي رفيقٌ لا مُجرد دفتر؛ لا تَضيقُ بي مهما أثقلتُ عليك، ولا تتجاهلني، دُمتَ لي شيئًا ثمينًا لا يُقدّرُ بثمن.
ها أتيتكُ لأسطُرَ بكَ بعضًا من مَكنونِ ما يحويهِ قلبي من مشاعر، أتعلمُ أنَّ اللَّهَ قد أنعمَ عليَّ بالسعادةِ حينَ رأيتهُ بصُدفةٍ قدرية؟
كانَ شامخًا كَالعبّاس، عزيزًا كَالخيلِ العربي الأصيل، ودودًا كَحمامةِ سلام، هو لا شَبيهَ له، مُتفرّدٌ بكُلِّ ما خُلِقَ بهِ وجُبِلَ عليه.
أتدري أنَّ لي قلبٌ لم أَكُن أشعُرُ بوجودهِ من قبل؛ لكنَّني شَعرتُ بنبضهِ حينَ رأيته، ألهذا كَتَبَ اللَّهُ لي لقاءه؟
ليُخبرني أنَّ قلبي حيٌّ لم يَمُت بعد!
أتعلمُ دفتري بأنَّني لم أَكُن أطمحُ لأكثرَ من أنْ يكونَ هو بخيرٍ ليطمئنَّ قلبي، لم أُكُن أهدفُ لأبعدَ من هذا، بل لم يُخيّل إليّ أنَّهُ سيُفكّرُ بالزواجِ منّي، لأنَّني لم أُفكّرُ سوى بأنَّهُ طالما هو بخيرٍ فأنا سعيدة ومُطمئنة.
أراكَ تتساءل دفتري: لماذا لم يخطر ببالكِ الزواج منهُ طالما أنَّهُ راغبٌ في ذلك؟
سأُجيبك: لأنَّ الزواجَ هو رزقٌ آخر، والأرزاق بيدِ اللَّه، تفكّرتُ فيما بقلبي من مشاعرَ فوجدتها أكبر من أنْ يستوعبها عقل، فإنْ كانَ الرحمٰنُ قد كتبهُ زوجًا لي من قبلِ أنْ يخلقَ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فهذهِ هي السعادة التي أرجوها، وإنْ قَدّرَ لهُ الخير في غيري، وكَتَبَ لهُ السعادة معها فلن أغضبَ أبدًا؛ لأنَّ مُنايا أنْ يكونَ سعيدًا وحسب، سواء معي أو مع غيري، لأطمئنَّ عليهِ فتهدأ نفسي ويرتاح بالي.
أراكَ تظنّني مجنونة؛ إِيَّاكَ فإنّي بفضلِ اللَّهِ أعقلُ ما يكون، لكنَّني أُفكّرُ بطريقةٍ غير مُعتادة، هي دُّنيا وليستْ جنّة، لذا فإنَّ الحُبّ هو أنْ تُحِبّ الخير لمَن يهواهُ قلبك، أحِبّ لهُ الخير، وارجو لهُ السعادة، وادعو اللَّهَ لهُ بالحفظِ والسترِ والصّحة والعافية.
هذا بالطبعِ لن يجعلني أتكاسل عن الدُعاء بمَن أُريد، بل على العكسِ تمامًا فأظلّ أدعو اللَّهَ بهِ في صّلواتي وخلواتي، أدعو ليلَ نهار، لا يأسَ مع الدُعاء واللَّهُ مُجيبُ الدعوات.
أتعلمُ دفتري أنَّ اللَّهَ لا يظلمُ القلوب؛ فإنْ وضعَ بها القَبولَ لأحدهم فلخيرٍ فيهِ ورزقٌ به، وإلَّا ما وضعَ لهُ القَبولَ من الأساس.
وأخيرًا دفتري، قد تفكّرتُ في أمرِ القلوبِ فلم يُسعفني فِكري، فلا يَعلمُ حالها إلَّا مَن فطرها، لذا فإنَّهُ لا بُدَّ وأنْ تُحترم هذهِ القلوب طمعًا في رضا الرحمٰن.
ثُمَّ طوتْ صفحات دفترها وأعادتهُ إلى حقيبتها.