ذهبتْ عَينُ القلبِ إلى أهلها لتعودَ لهم البسمةَ من جديد، بعد أنْ اِختفتْ من الحُزنِ عليها، رحَّبوا بها جميعًا عدا واحدًا، لم تتذكّرهُ ولم تعهدهُ من قبل، أخبرها أباها أنَّهُ محمود زوج أُختها هند التي تصغرها بعام، ألقتْ عليهِ السلام، ثُمَّ راحتْ تتفقد البيت فرأتهُ كما هو اللهمَّ إلَّا دورة المياه فقد تَمَّتْ صيانتها، لتبدو جميلة بعد أنْ كانتْ مُتهالكة.
جلستْ بصُحبةِ أُمّها وأخويها الصغيرين تسمع منهم ما حَدَثَ في غيابها، دلفتْ هند لتُشاركهم الجِلسة، ثُمَّ أخذتْ تنظر إلى عَينُ القلبِ فرأتْ قلادة ثمينة تُزيِّنُ جيدها، اِقتربتْ منها أكثرَ لترى عليها اسم عَينُ القلب، تساءلتْ: مَن تكونُ عَينُ القلبِ التي ترتدينَ قلادتها نجلاء؟
نَظَرَتْ عَينُ القلبِ حولها ثُمَّ أجابتها: أنا عَينُ القلبِ، ومَن تكونُ نجلاء؟
نَظَرَتْ إليها هند وقد اِتسعتْ حدقتها، وأخبرتها بأنَّ اسمها نجلاء لا عَين القلب، هُنا غَضِبَتْ عَينُ القلبِ وأخبرتهم أنَّ اسمها عَينُ القلبِ ولا تُحِبُّ أنْ يُنادونها بسواه.
تبسمتْ لها الأُمّ واحتضنتها لتُطمئنها، بينما ذهبتْ هند إلى بيتها مع محمود، بعد أنْ كادتْ عيناها تلتهم عَينُ القلبِ وقلادتها.
أعدَّ صالح العَشاءَ بيديهِ فَرَحًا بعودةِ ابنتهِ إليه، ثُمَّ تناولوهُ في جوٍّ دافئ، وسطَ البَسمات والفرحات، وبعدها دلفتْ عَينُ القلبِ لتنامَ على سريرٍ خُصَّ لها في غُرفةِ أخويها عيسى وأحمد اللذانِ لم يبلُغا السابعةَ بعد.
في صباحِ اليوم التالي، اِستيقظتْ باكرًا كما كانتْ تفعلُ ببيتِ كبير الأخيار، فصلّتْ صُبحها، وقرأتْ وِردها من القرآنِ الكريمِ وأذكارِ الصباح، ثُمَّ قامتْ بتنظيفِ بيتهم الصغير ذو الغُرفتينِ والصالة، بالإضافةِ إلى المطبخِ ودورة مياه.
اِستيقظَ أهلُ البيتِ فذهبَ الأبُّ ليبتاعَ الفَطور، وجهّزتْ الأُمّ توأمها لتوصلهما إلى المدرسة، ولكنْ بعد أنْ يتناولوا الإفطار جميعًا.
أتى صالحُ بالإفطارِ المُفضّل لديهم؛ فولٌ تَمَّ تدميسهِ على نارٍ هادئة حتّى ذابَ قِشره، وطعمية ساخنة مُزيّنة بالسمسم، وخُبز بلدي خارج من الفرُن لتوّه.
تناولوا الإفطار، ثُمَّ ذهبَ صالحٌ إلى عملهِ في ورشةِ الحِدادة، بينما أخذتْ مُنيرة توأمها وراحتْ لتوصلهما إلى المدرسة.
جلستْ وحيدة تتذكّرُ مُحِبّها (أبا يحيى)، فقد كانَ يأتيها مع إشراقةِ الصباح ليبدأ يومهُ ببسمتها العذبة، ويُحيّيها بتحيّةٍ خَصّها بها "عَينُ القلبِ هِبةُ الرحمٰن، روحها جميلة، وقلبُها سعدان، مَن نَظَرَ في عينيها عادَ وجهه بَسمان" فتبسمتْ.
أخذتْ تُخرج بعض ما تحتاجهُ من حقيبةِ ملابسها، وتضعهُ في خزينةِ الملابس، وفجأةً وقعتْ عينها على عُلبة من الكارتون المُقوّى، عُلبة أنيقة تفوحُ منها رائحة زكية، أخذتها وشمّتها فإذ بها رائحةُ طِيبِ أبي يحيى، فتحتها لترى هاتفهًا ذكيًا، قرأتْ كُتيّب طريقة الإستخدام، ثُمَّ قامتْ بتشغيلهِ لتُفاجأ بوجودِ شريحة اِتصال به.
لفتَ اِنتباهها صورة الخلفية الموضوعة على الهاتف، صورة منظرًا طبيعيًا رأتهُ على هاتفِ أبي يحيى ذات مرّة فأعجبها، أخذتْ تبحث فيهِ عن شيءٍ يُخبرها بمَن وضعهُ في حقيبتها، فوجدتْ اسمًا واحدًا تحويهِ جهات الإتصال.. هو اسم أبو يحيى.
ليسَ هذا فحسب، بل وجدتهُ قد أرسلَ لها رسالة عبرَ تطبيقٍ خاصٍّ قد قامَ بتنزيلهِ ليطمئنَّ عليها، رأتْ صورتهُ الشخصية على ملفِ التعريف، فتبسمتْ، ثُمَّ ردَّتْ عليهِ برسالةٍ لتُطمئنه، تفاجأتْ بقرائتهِ للرسالةِ التي أرسلتها للتوّ، فأرسلتْ لهُ: يبدو أنَّكَ تنتظر رسالتي سَيّدي.
رَدَّ عليها: بلهفةٍ وشوقٍ عَينُ القلبِ كي أطمئنَّ عليكِ، وها قد اِطمأننتُ فأستودعكِ اللَّه، لن أُغلِقَ هاتفهي بعدَ اليوم؛ كي تستطيعي التواصل معي متى شئتِ.
ردَّتْ عليه: وأنا أستودعكَ اللَّه سَيّدي، حسنًا ليَكُن ما أردتْ، ثُمَّ أغلقتْ هاتفها وراحتْ تقرأ بعض الكُتب التي أهداها إيَّاها.
عادتْ مُنيرة وقد اِبتاعتْ مكونات وجبةَ الغداء التي ستُعِدَّها لهذا اليوم، ثُمَّ جلستْ مع ابنتها لتسألها عن القِلادةِ التي ترتديها، وعن اسمها الجديد، وعن الرجال الذينَ أتوا بها البارحة.
قصّتْ عليها عَينُ القلبِ ما حَدَثَ لها، وعن الأخيار الذينَ كانتْ عندهم، وعن اسمها والقِلادة، ثُمَّ أخرجتْ من حقيبةِ ملابسها الهاتف لتُريهُ لأُمّها.
تبسمتْ لها الأُمّ قبلَ أنْ تُثني على الأخيارِ وكبيرهم، ثُمَّ سألتها: أتعلمينَ أنَّكِ قد تجاوزتِ العشرونَ ربيعًا بعامين؟
أجابتها: نعم، أعلم.
سألتها: أعرفتِ أنَّ هندًا أُختكِ الصغيرة قد تزوجتْ وأنجبتْ ذكرينِ وأُنثى؟
أجابتها: عرفتُ البارحة، لكنَّني لم أرى أبناءها.
أخبرتها مُنيرة أنَّها قد تركتهم عند حماتها أُمّ محمود، التي تُقيم معهم بذاتِ البناية ولكنْ بشقةٍ مُستقلة.
طلبتْ مُنيرة من ابنتها أنْ تعودَ لاسمها الحقيقي (نجلاء) كي لا تُحزِنَ أباها، لكنَّها رفضتْ، ألّحتْ عليها الأُمّ حتّى قَبِلَتْ، ولكنْ يكونَ اسم نجلاء هو الاسم الثاني؛ إذ أنَّها أحبَّتْ عَينُ القلبِ ولن تقبل التنازُل عنه.
تَفّهمتْ مُنيرة رغبة ابنتها، وقامتْ لتُعِدَّ الغداء قبلَ أنْ يأتي صالح ومعهُ عيسى وأحمد.