إِيَّاكَ والتصنُّع فإنَّ الخاسرَ فيهِ أنت؛ لأنَّكَ ستفقِد قيمتُكَ التي تُميّزكَ عن غيرك، وتَكمُن قيمتكَ في بساطتك وتلقائيتك، كُن أنتَ كما خُلِقتَ وجُبِلت.
وهذا بالطبعِ ليسَ معناهُ أنْ تكونَ كِتابًا مفتوحًا يقرأهُ عامّة النّاس وخاصّتهم، لأنَّ لحياتكَ الخاصّة حُرمتها وأنتَ أدرى بكيفيةِ المُحافظة عليها، كما أنَّهُ ليسَ من الأدبِ في شيءٍ أنْ يسأل أحدهم أحدٌ عن حياتهِ وهو لا تربطهُ بهِ أيّ صِلة قَرابة.
باللَّهِ أينَ العقول؟
أخبرتني إحداهُنَّ أنَّها قد قامتْ بإنشاءِ حسابٍ جديدٍ في عالَم الفضاء الأزرق، وحينَ سألتها عن حسابها القديم كانَ جوابها: قد ضاقتْ نفسي من سوءِ أخلاق بعض الذكور الذينَ يَنسبونَ أنفسهم للرجال زورًا وبُهتان، ورُغم أنَّ حسابي خاصّ بأسمى قِيَم الإنسانية (مُساعدة الغير) إلَّا أنَّني لم أسلَم من اِقتحامهم خصوصيتي، وانتهاك حُرمتي بإرسالهم ليَ الرسائل المنصوصة بأسمائهم وأرقام هواتفهم وكذا بعض صورهم.
الغريب في الأمرِ أنَّهم وبعد أنْ نبّهتُ أنَّهُ حسابٌ خاصّ بفِعلِ الخيرِ ومُساعدة الغير، رأيتهم يُرسلونَ إليَّ صورًا يزعمونَ أنَّها دينية، ويشهد اللَّهُ أنَّ الدين منهم براء.
قُلتُ لها: لا عليكِ ولا تحزني، فقط قومي بحظرِ المُخنّثينَ من الذكور، والذينَ يُسمّونَ أنفسهم بأسماءِ إناث، ثُمَّ اجعلي صفحتكِ خاصّة بمَن تعرفينهم ويعرفونكِ، ولا تقبلي طلبات صداقة من أحدٍ غريب، ولا تُعكّري صفوكِ، فلديكِ مَيزةٌ رائعة وهي الحظر، لتحظري مَن لم يُربّيهِ أبويهِ ولم يُراعي هو رَبَّهُ في حُرمةِ غيره، ولتعلمي بأنَّهُ حتّى السلامُ عليكم تُردّ لهُ في نسائهِ فلا تقلقي.
حقًّا أتعجبُ كثيرًا من أولئكَ الذينَ يظنّونَ أنفسهم أنَّهم بعيدينَ عن يدِ اللَّه سُبحانَهُ وتعالى، أنَّى لهم بالتجرُأ على حدودِ اللَّهِ وحُرماتِ الغير؟
ضِعاف العقول، مَرضى النفوس، مُتبعي خُطوات الشّيطان، قليلي التربية، ناقصي الأدب، عديمي الأخلاق، خاوينَ الشهامة، مُفتقدي الرجولة، هؤلاء هُم الذينَ يتجرأونُ على حُرماتِ غيرهم، كأنْ يُراسِلَ امرأةً لا تَحِلّ لهُ، أو حتّى يُضايقيها بمُتابعتهِ إيَّاها، يا مَعشرَ الذكور المَعنيونَ بما سلفَ ذِكرهُ كلامكم المعسول أولى بهِ حليلاتِكُم، لا تحرمونَهُنَّ حتّى لا يبحثنَّ عن ما ينقصهُنَّ في غيركم، حليلاتِكُم أولى بالإهتمامِ والرعاية، والكلمة الطَيّبة، والبَسمة المُطمئنة وإنْ كانتْ مُصطنعة، فلا تُضيّعوهُنَّ وكُونوا لهُنَّ كُفؤًا يَكُنَّ لكم سِترًا وسَكنًا.
أعودُ بالحديثِ عن التَصنُّعِ والذي لا يأتي بخير؛ فمتى تصنّعتَ فقدتَ أصلك، وفاقِدُ الأصلِ يظلّ يُعاني بحثًا عن نفسهِ وسجيتهِ التي ضيّعها، لكنَّهُ للأسفِ الشديد لا يَعثُر عليها إلَّا بعدما يُغادرُ الأرض التي جبرتهُ على تغييرِ ما جُبِلَ عليه، وأعني بالأرضِ هُنا المكان وبالتأكيدِ لا أعنيهِ بمعناهُ الحرفي، ولكنَّني أعنّي المتواجدينَ به.
لذا انظر لنفسكَ في ظِلِّ مَن تُعامِل، إذا وجدتَ نفسكَ كما هي لم تتغيّر بعد فأنتَ في مكانكَ المُناسب، أمَّا إذا وجدتكَ قد فقدتَ بساطتك، مرحك، تلقائيتك، وأخيرًا عفويتك فغادر دونَ تَردُد، لتُحافِظَ على ما تبّقى من جِبّلتك.
كُن على يَقينٍ بأنَّكَ رائعٌ بكُلِّ ما جُبلتَ بهِ وما أنتَ عليهِ الآن.