أذكُرُ حينَ دلفتُ المطبخ كَطاهيةٍ لأوّلِ مرّة بعمري، وقتها لم أَكُن قد تجاوزتُ الثالثةَ عشر ربيعًا، ورغم أنَّني كُنتُ أُساعدَ أُمّي في الطهي وأعمال البيت مُنذُ بلوغي الثامنة تقريبًا، إلَّا أنَّ دخولي المطبخ كَطاهيةٍ أصابني ببعضِ الرهبة، ومع ذلكَ تغلّبتُ على رهبتي وأبليتُ بلاءً حسنًا.
تفكّرتُ في المطبخِ فوجدتهُ أكبر من كونهِ بيتِ المؤنة وحسب؛ بل هو مُعلّمٌ صادق النُصح، وافي الوعود، قيّم المعلومات.
زادني دخولي المطبخ فوقَ الصبرِ صبرًا؛ فبينَ إعدادِ الطعام ونُضجهِ هُناكَ مَساحة من الصبرِ لا بُدَّ وأنْ يَمُرَّ بها، وبينَ أنواع الطعام المُتنوعة توجد فروقات فيما بينها.
تَعَلَّمتُ من المطبخِ الصبر، فما أودُّ نَيلهُ لن يأتيني إلَّا بالسعي والصبر، وقبلهم الرضا بما قدّرَ اللَّه،
أحببتُ تناول الأرز بالشعيرية؛ إذ كانتْ أُمّي تطهوهُ بطريقةٍ شهيّة للغاية، كُنتُ أظُنُّ أنَّهُ لا يحتاج وقتًا حتّى دلفتُ المطبخ وقُمتُ بعملِ أوّل أرزٍ بالشعيرية من يدي، لا أُنكِرُ أنَّني أخذتُ وقتًا حتّى أضحتْ لديَّ خِبرة في عملِ الأرز عمومًا، والأرز بالشعيرية خصوصًا.
لكنَّ ذلكَ لا يُنسيني أنَّ الصبر نهايتهِ سعيدة ومُرضية أيضًا، فقد صبرتُ على نُضجِ الأرز، وفي نهايةِ الأمر تناولتهُ بحُبٍّ أنساني المُدّة التي صبرتها.