أنا إنسان…
لكنني لا أعيش مع بشر، ولا أستقر بين نُزل الجان.
روحي معلّقة على عتبة لا أرض فيها ولا سماء… بين خلائق لا أنتمي إليهم، وعوالم لا تحتويني.
لا سلّمتني الدنيا لمن يفهم، ولا أسعفتني الغرابة بأن أكره.
كأنني ضائعة بين الحالتين، أتنفس بصمت، وأتآكل في صخب داخلي لا يسمعه سواي.
وحين لمحتُ رفيقًا يشبه ظل الروح، توهمتُ النجاة.
منحته سكني في الشطّ، وتواريتُ عنه في قاربٍ تتلاطمه أمواج التيه.
كنت أظنني وجدتُ وطنًا، لكنني ازددتُ ضياعًا.
كان يجهلني،
يصنع من قهري قيدًا،
ومن وجعي لونًا على لوحة يظنها حياة.
وحين سمي الحزن طيفًا من الألوان…
أدركت أن لا أحد يقرأني حقًا.
أنا سمكةٌ على البر،
لا هواء لي،
ولا عمق أستتر فيه من جفاف الأرض.
وعيناي… لا تريان إلا ظلامًا يبتلع حتى الضوء الهارب.
أنا طائرٌ بجناح مكسور،
أحمل صوتًا مثقلًا،
ولا سربَ يُناديني،
ولا ريشَ يُطمئن هذا الارتجاف الدائم.
أحيانًا أشعر أنني مجرد صرخة…
صرخة وُلدت من عجز،
تتفتق داخل الأكوان…
ولا يسمعها أحد.
نفسي وأنا توأمان في صمتٍ واحد.
أنا الضياع حين يتجسد،
والهزال حين يبوح،
والحنين حين يخونني جسدي.
كل ما أريده… أن أقول.
أن يسمعني أحد دون أن يُحوّر وجعي،
أو يُصنّفه ضمن احتمالاته الضيقة.
لكن من يساند صرخةً بلا لغة؟
لا بشر طيّب يداوي الجرح،
ولا جانٌّ بغمضة عين ينقذني من انطفاء.
كل ما أردتُه…
أن أكون بلقيس.
أن يُبصرني سليمان كما أنا…
فأصير له وطنًا.
أنا.... أنا لا أدري!