تفكّرتُ في مقولةِ "الممنوع مرغوب" حتّى أنَّني أعطيتها قدرًا لا بأسَ بهِ من وقتي، إلَّا أنَّني اكتشفتُ أنَّها رُّبما تَخصّ شيئًا بعَينه، وإلَّا لطُبِّقَتْ على سائرِ الأشياء، فمثلًا يستخدمها البعض ليُجيزَ لنفسهِ محظورًا، ورُّبما أحلَّ لنفسهِ مُحرّمًا.
أمَّا بخصوصِ الكِتابة وصناعةِ المُحتوى تحديدًا؛ فهُناكَ مَن يعتمد في عملِ دار نشرهِ أو قناتهِ أو جريدتهِ على اللعِبِ على الوترِ الحسّاس (الغرائز)؛ ليجني الأموال الطائلة، فكما يعتقد هؤلاء معدومي الأخلاق والفضيلة، يعتقدونَ أنَّ الغرائزَ هي هَمّ أكبر جمهور القُرّاء وشُغلهِ الشاغل.
لماذا تنحصر هذهِ المقولة في فئةِ المُحرّماتِ واللاأخلاقية؟
تساءلتُ: إذا صّحَ أنَّ الممنوع مرغوب فلماذا لا يرغب العُهّار خنازير الأرض في الإستسلامِ للحقِّ فيُغادرونَ فلسطين تاركينَ للفلسطينيين أرضهم؟
بل لماذا لم يَرغب بعض رجالات الغرب في التعامُل بإنسانية مع غيرهِ من الزنوج؟
لماذا يتمّ حصر "الممنوع مرغوب" في كُلّ ما حرّمهُ اللَّهُ ورسولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؟
تراها عارية إلَّا من بعضِ الخِرق التي بالكادِ تستر سوأتها، تراهُ مُدمنًا للمُخدرات، تراها خائنة لزوجها، تراهُ مُهمِلًا لبيتهِ وأهله، تراها وتراهُ وتراهم.. ثُمَّ يُقال: الممنوع مرغوب!
أيُّ عبثٍ هذا الذي ينتشر كَالنارِ في الهشيمِ؟
لا بُدَّ من إكمالِ المقولة لتكون: الممنوع مرغوب فيهِ طِبقًا لهَوى الشّيطان، هكذا تكون أصدق وأوضح.
بالمُناسبة لماذا لا نجعل الشباب يحيدونَ عن طريقِ الهاوية، طريق المُخدرات؟
لكُلِّ مُشكلة سبب، وحلٌّ فيما بعد، يُعرف من خِلالِ دراسةِ أسباب وقوعها، وما آلَ إليهِ الحال بعد وقوعها.
لماذا يلجأ الشباب إلى المُخدرات؟
من وجهة نظري الشخصية أرى أنَّهم يبحثونَ عن شيءٍ بإمكانهِ أنْ يُغيّبَ وعيهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ممّا يُريدونَ تغييب وعيهم؟
لن أتطرّق لصُلبِ موضوع المُخدرات أكثرَ من هذا، حتّى لا أنصرف عمّا عقدتُ العزم على كتابته.
إذا كانتْ المُخدرات تُغيّب الوعي فتراتٍ لحظية، فإنَّ القراءةَ من شأنها أنْ تنقلَ القارى من عالمهِ إلى عوالم أُخرى، وحتّى لا يؤخذ عليَّ القول فإنَّني لا أُقارنُ بينَ المُخدرات والقراءة، ولكنَّني أذكُرُ تأثير كليهما فقط من جانبٍ بعَينه.
لماذا لا نجعل الشباب يُدمِن القراءة؟
فهذا هو الإدمان المشروع بلا أدنى شَّك، منها نكون قد شغلنا تفكيرهم عن مَسلكِ المهالك، وعملنا على تغذيةِ عقولهم لتزدانَ بالعِلمِ والمعرفةِ والثقافة، ومنها نكون قد أشعرناهم ببالغِ الاهتمام والتفكير بشأنِ مصالحهم.
سيقول قائل: ومَن المَعني بهذا الدور؟
بالطبعِ الدولة هي المَعنية بهذا الدور، والدولة هُنا تعني المُؤسسات، فهي الوحيدة القادرة على تطبيقِ نظامٍ عام يشمل الجميع، فإنْ أصدرتْ أمرًا يُشّجع على القراءة والحثّ عليها، سيلتزم الجميع، حتّى وإنْ شذَّ البعض فسيجدوا لأمرهِ حلًّا.
كذلكَ الأمر بالنسبةِ للأُسرة، فهي أيضًا مَعنية بتربيةِ النشء على القيم والأخلاق، والمبادئ والفضائل، والقراءة المُثمرة الهادفة، فدور الأُسرة أهم من دورِ الدولة هُنا؛ حيثُ تخرج البراعم من بيوتاتها بعد ما تكون قد قطعت شوطًا لا بأسَ بهِ من التربية والتنشئة.
بل على الأبوينِ أنْ يُفكّرا في الطريقةِ الصحيحة التي سيستخدمانها في تربيةِ طفليهما قبلَ أنْ تحملهُ الزوجة بينَ أحشائها.
لا بُدَّ من سطرِ حقوق الطفل في دفترٍ وينظر الأبّ كم من الحقوق بإمكانهِ أنْ يُوفرها لطفله؟
وقصدتُ الأبّ لأنَّهُ الرَجُل، وهو ربّ الأُسرة، وصاحب القوامة.
الأبّ الجيّد هو مَن يسعى ويُعافر ليُوفر لابنهِ بيئة صالحة، نظيفة، لطيفة، هادئة، قبلَ أنْ يُفكّرَ في الإنجاب، والبيئة الصالحة المُهيأة بدون أُمٍّ صالحة لا تنفع الطفل بشيء.
أمَّا مَن يُنجِب لغرضِ الإنجابِ وحسب فهذا هو الظالمُ لطفله، الجاني عليه، فلو لم يَكُن كذلكَ لسعى وجاهدَ في توفيرِ كافة حقوقهِ قبلَ أنْ يُنجبه.
حينَ تُفكّر في الزواجِ فأعلم أنَّهُ ليسَ قضاء شهوة وحسب؛ بل هو مسؤولية عظيمة سَتُسأل عنها أمامَ اللَّهِ والمُجتمع، فإنْ لم تَكُن كفؤًا فعليكَ بالصومِ فإنَّهُ لكَ وجاء، حتّى يُغنيكَ الرحمٰن من فضلهِ فتستطيع تحمُّل أعباء الزواج، وما يترتب عليهِ من إنشاء أُسرة قوية صحيحة.
ولمَن يسأل: ماذا يفعل الرَجُل الفقير كي يعفّ نفسه؟
أيذهب للحرامِ كي يقضي شهوته؟
بالطبعِ ما قلتُ مِثلِ هذا الكلام، وبالتأكيدِ لا يذهب للحرامِ ولا شيء، الأمر بسيط للغاية، إنْ مَلكَ ما يُعينهُ على الزواجِ من مَسكنٍ وعملٍ يتقاضى منهُ أجرًا شهريًا يكفي إثنين فليفعل، وليُسارع في إعفافِ نفسهِ واللَّهُ مُعينه، لكنْ عقلًا ومنطقيًا عليهِ أنْ يُؤخر التفكير في الإنجابِ حتّى يُهيأ لتلكَ الرَّوح التي ستأتي، بيئة مُناسبة لتنشئةِ طفلٍ نافعٍ لنفسهِ وغيره.
الأمور كُلّها وثيقة الصِلة ببعضها، الأُسرة والتنشئة، التعافي من المُخدرات، وأخيرًا إدمان القراءة.
إدمان القراءة، هو الحلّ للأمراضِ المُجتمعية، والأفكار العقيمة.
إدمان مشروع من شأنهِ أنْ يُساعدنا في العثورِ علينا، على قيمنا النبيلة، وأخلاقنا الحميدة، والعودة بنا إلى أصلنا الطيّب ومعدِننا الأصيل.