أعدّتْ لابنها ما يُحِبُّ لهذا الغداء، فكانَ الأرز بالشعيرية المطهو بالسمن البلدي، والملوخية الجافّة المطهوة على مَرقِ البط بإضافةِ القليل من السمن البلدي، كما طهتْ لهُ طاجن البامية الذي يُفضّل، وصنعتْ طبقًا غنيًّا بالمعادن والفيتامينات فكانتْ السلطة الخضراء، بالإضافة إلى طبقِ الزيتون الأسود المُخلَل، ولم تَنسَ أنْ تصنع عصير الأناناس؛ لرفعِ كفاءةِ الجهاز المناعي وللمُساعدة على الهضم.
زَيّنتْ المائدة بما أعدّتْ ثُمَّ نادتْ ابنها ليُشاركها تناول الغداء.
حُسام هيّا لنتناول الغداء.
حُسام: حسنًا أُمّي.
الأُمّ: قد أعددتُ لكَ ما تُحبُّ من الطعام.
حُسام بعدما قَبّلَ يُمناها: سَلِمَتْ يداكِ أُمّي.
الأُمّ: سَلَّمَكَ اللَّهُ بُني، ماذا فعلت بقصتُك؟
أأنهيتَ كتابتُها؟
حُسام: ليسَ بعدُ أُمّي.
الأُمّ: ومَتى آخر موعد للمسابقة؟
حُسام: بعد يومينِ أُمّي.
الأُمّ: أوبإستطاعتُكَ المُشاركة؟
حُسام: أجل أُمّي.. فبفضل اللَّهِ قد أنهيتُ كتابة مُعظم القصّة وبَقيَ القليل.
الأُمّ: ضع في الحُسبانِ بأنّي سأكونُ أوّل القُرّاء لها.
حُسام مُبتسمًا: بالطبعِ أُمّي.
الأمّ: وفقكَ اللَّهُ بُني.
أنهى طعامهُ ثُمَّ دلفَ دورة المياه، غسل يداهُ وخرجَ ليستأذنها في الذهابِ لغُرفتهِ؛ لإكمالِ القصة.. أَذِنَتْ لهُ فذهب.
أمسكَ دفترهُ بعدما جلسَ على مِقعدهِ الجلدي، وأردف: بِسْمِ اللَّه، لأُراجعَ ما كتبتُ ثُمَّ أُكمِلُ القصة.....
جلتْ الأواني ثُمَّ دلفتْ غُرفتها لتَقِيلَ بعض الوقت، أمسكتْ صورة زوجها وأخذت تُحدّثها:
رَحِمَكَ اللَّهُ زيدًا؛ فقد سترتنا أمَامَ النَّاسِ بما تركتهُ لنا من سيرة عَطِرة يَشهدُ لها القاصي والداني، كما أغنيتنا عن سؤالِ النَّاس؛ فرُغم مرور عشر سنوات على وفاتك إلَّا أنَّ مالنا لم ينقُص مِنهُ إلَّا القليل.. آهٍ على فِراقك حبيبي، قد علّمتنا أنَّ الصدقةَ تزيدُ المال ولا تنقُصه، ثُمَّ بَكتْ وتوسّدتْ.
صندوقٌ جميلٌ يحوي بداخلهِ مشاعرٌ نبيلة على شكلِ ملابسٍ تُناسب طفلًا في الثالثةِ عشر، وزجاجة مسك بالإضافة لمَكتوبٍ أنيق.
هيثم.. هيثم.
نعم أُمّي.
خُذ هذا الصندوق.. هو لكَ ولدي.
هيثم فَرِحًا بعدما حملهُ عنها: أحقًّا نادرة أُمّ هيثم؟
نادرة وقد ربتت على كتفهِ: حقًّا بُنيّ.
هيثم وقد سقطتْ عَبراته على الصندوق: الحمدُ لكَ رَبّي.
نادرة: الحمدُ لِلَّهِ دائمًا وأبدًا.
هيثم: ولكن من أينَ لي بهذا الصندوق أُمّي؟
نادرة: قد أرسلتهُ أُمّ حُسام.
هيثم مُبتسمًا: إذًا قد ابتاعَ حُسام ملابس الشتاء.
نادرة: وكيف عرفت؟
هيثم: قد دعاني للذهابِ معهُ فأخبرتهُ بأنَّ لدي مُذاكرة.
نادرة مُبتسمة: هو ذاك هيثم.
فتَحَ هيثم الصندوق فوجد بهِ كُسوة الشتاء بالألوان التي يُحبُّها، وبجانبها زجاجة مسك من النوعِ الذي يُفضلُه، بالإضافة لمَكتوبٍ أنيقٍ ككاتبهِ حُسام.. أخذ يقرأؤهُ على أُمّه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
إلى أخي الذي لم تُنجبهُ أُمّي.
إلى صاحبي وحبيبي هيثم.. وبعد.
قد مَنَّ اللَّهُ علينا بكُسوةِ الشتاء فأردتُ أن تُشاركني شراءها ولكنَّ المُذاكرة أشغلتكَ فقمتُ بالشراءِ نيابةً عنكَ ولعلَّ ذوقي يُعجبُك.
سنظلّ إخوة إلى الأبد.
أخيكَ حُسام.
طوى المكتوب بعدما قَبّلهُ ودلفَ غُرفته.
أُمّي.. أُمّي قد أنهيتُ القصّة.
حسنًا فعلتَ ولدي هيّا اقرأها عليّ.
جَلَسَ حُسام على الأريكة بجانبِ أُمّهِ، وأخذ يسرد لها قصّتهُ القصيرة بطريقتهِ الجميلة، وما أنْ أنهاها حتّى انهمرَ الدمعُ من عينيها.. كفكفتْ دمعها وأضافتْ: حُسام قد أحسنتَ الكتابة ولدي، فليوفقكَ اللَّه.
سألها بلهفة: أأعجبتكِ أُمّي؟
رَدّت مُبتسمة: بالطبعِ أجل.
قَبّلَ يُمناها وأضاف: إذًا عَلَاَمَ البُكاء؟
أجابتهُ بصوتٍ مُختنق: شَعرتُ بأبيكَ فيها!
حُسام: صدقتِ أُمّي.. فقد كتبتها من بابِ شُكر أبي.
سألتهُ: وبِمَ عَنونتَها بُنيّ؟
أجابها مُبتسمًا: عَنونتها بأبي زيد.