تندرج رواية ميراث الخوف ضمن الأدب النفسي الاجتماعي، حيث تفتح الكاتبة أمينة الزغبي نافذة على العوالم الداخلية للشخصيات. في الفصل الأول، ترسم الكاتبة سياقًا تأسيسيًا دراميًا لشخصية يوسف باستخدام تقنية السرد المتشابك. يُعرف هذا الأسلوب بأنه يقوم على تداخل الأحداث من أزمنة مختلفة، حيث تتشابك أحداث الماضي والحاضر في نموذج سردي متماسك، مما يمنح النص غنى زمنيًا ومعنويًا.
يعكس هذا التداخل البنية النفسية للشخصية المحورية"يوسف"، حيث يتماهى الزمن النفسي مع الزمن التتابعي (أو التاريخي)، ما يجعل المتلقي ينخرط في تجربة سردية متعددة الأبعاد. هذا التمازج يتحقق من خلال وظيفة الانخراط العاطفي، التي تناولتها نظريات التلقي (Reception Theory)، حيث يتحول القارئ من متلقٍ سلبي إلى شريك فاعل يُطلب منه المشاركة -دون أن يعي- في تحليل البناء السردي وربط تأثيرات الماضي بالحاضر ضمن ما يُعرف بـ"دينامية الزمن السردي".
تُثري هذه التقنية النص من خلال جعل التجربة القرائية قائمة على تعدد مستويات الدلالة، ما يستدعي وعيًا نقديًا لدى القارئ لفهم التداخل الزمني وعلاقته بتكوين الهوية الفردية للشخصيات. بالإضافة إلى ذلك، يُظهر النص كيف يمكن لآلية الإسقاط الزمني أن تعيد تشكيل إدراك الشخصية لواقعها عبر استدعاء تجاربها الماضية، ما يعكس مقاربةً عميقة لأفكار فرويد حول اللاوعي والزمن.
كما أن هذا التداخل لا يعكس فقط تأثير الحادثة على الشخصية المحورية، بل يُظهر تأثر النص بمفهوم النص المفتوح، الذي تحدث عنه أمبرتو إيكو، حيث يُترك للقارئ حرية التفسير وفق خلفياته الثقافية والنفسية، ما يخلق تجربة قرائية نشطة ومشحونة بالأبعاد الإنسانية. في هذا السياق، تبرز تقنية الاسترجاع السردي (Flashback) التي تُستخدم في النص لاستعادة ذكريات حادثة وفاة والدي يوسف. هنا يظهر "الزمن النفسي"، حيث يتداخل الماضي مع الحاضر، مما يعزز تأثير الحدث التأسيسي في بناء الشخصية المحورية ويبرز مفهوم الزمن الداخلي، الذي يغلب على الزمن الكرونولوجي، مما يمنح النص بُعدًا ذاتيًا قويًا.
يشكل هذا الفصل اللحظة التأسيسية أو ما يسمى في السرد الحدث المحرِّض" أو "الحدث الدافع". Inciting Incident، حيث يمثل حادث فقدان الوالدين النقطة المحورية التي تدفع الشخصية إلى الانطواء على نفسها. يوظف السرد التراجيدي هنا أبعادًا من الاستلاب (Alienation)، مما يجعل القارئ يتماهى مع يوسف، الذي يعاني من شعور باللاانتماء نتيجة لعزلته القسرية.
الرواية تحمل أبعادًا رمزية واضحة، يظهر ذلك في استخدام الموت كرمز لفقدان الأمان والجذور، بينما يشير "ميراث الخوف" في العنوان إلى حمولة نفسية تنتقل عبر الأجيال. يمكن النظر إلى هذا الفصل كتمهيد لثيمة الصراع الوجودي (Existential Struggle) الذي يعانيه البطل.
التقنية التعبيرية تظهر لغة الكاتبة مشحونة بالعاطفة، متكئة على الصور البلاغية مثل "جدي وجدتي ينتحبان، يحاولان التسرية عني، فيزداد نحيبهما مما يسمعانه من كلمات يطلقها قلبي قبل لساني"، مما يضفي عمقًا على الوصف النفسي. هذه الصور تعمل على تحقيق تأثير التطهير أو التنفيس Catharsis لدى القارئ، فتجعل الألم ملموسًا.
في الأدب والنقد المسرحي، وخاصة في مفهوم أرسطو، يشير المصطلح إلى الأثر العاطفي الذي يحدث عند مشاهدة مأساة أو دراما قوية. هو عملية تفريغ المشاعر المكبوتة مثل الحزن أو الخوف، مما يخلق شعورًا بالراحة أو الصفاء النفسي بعد التجربة الفنية.
في رواية ميراث الخوف، يمكن أن تمثل معاناة يوسف وصراعه الداخلي نوعًا من التطهير للمشاعر، حيث ينقل القارئ إلى حالة من التأمل والتعاطف.
من حيث الطابع النفسي والاجتماعي، سنلاحظ أن يوسف ليس مجرد شخصية فردية بل يمثل نموذجًا إنسانيًا يعاني من القلق الوجودي (Existential Angst)، إذ يتجنب الزواج خوفًا من تكرار مأساته الشخصية. هنا تتقاطع الرواية مع مفاهيم من النقد النفسي، مثل تأثير صدمة الطفولة على تشكيل الهوية.
تطرح الرواية أسئلة حول الإرادة والاختيار في مواجهة القدر، مما يعزز ثيمة الحتمية القدرية (Determinism)، حيث يبدو يوسف كأنه مسجون داخل إرث عائلي من الألم والخوف. هذه التيمة تنعكس بوضوح في خوفه من الزواج والإنجاب، وكأنه يهرب من إعادة إنتاج معاناته.