شَكَوْتُ يومًا لمُعَلِّمي، رحمه الله، عن تعلِّقٍ في فؤادي، قد كان بِضعٌ من كَلَف لم يرتقِ حينها لِشَعَفٍ أو شَغَف، فقلتُ:
- إنّ في قلبي مَيْلٌ، لم أكن وربي مِلته بملء نفسي، لكنّه القلب قد فاض به الوَجْدُ حتّى كَلِفَ بإحداهُنَّ، وأصبح الشَّغف بها جوًى _ إليها _ دُونَهُنَّ؛ فقُل لي بربّكَ، أذنبٌ ما اقترَفَهُ قلبي؟ أم أنَّ لنفسي والشيطان في ذلك سبيل؟
تَبسَّمَ ثم أهلَسَ، ثم افترَّ وانكَلَّ، ثم أردَفَ:
- ما مَيلُ القَلب إلا طبيعة فُطِرَ عليها، وسَجيَّة خُلِقَت فيه، وخِلقةٌ وُجدَ بها، فما كَلفُكَ وشَعفُكَ وشغَفُكَ إلا عَزفُ الطبيعة فيكَ، وصَدَحُ الحُبّ ببُوقِه في عقر فؤادكَ.
جلس يتأمل في ورقة بيضاء لم يمسها لسان قلم، ثم استطرد:
فاعلم - يا رعاك الله - أنَّكَ ما أذنبْتَ وما أجرمتَ، وفي ميلكَ ما أجَرْتَ، لكنَّ الجور يا وَلدي سَعيُكَ خَلف ظُلم هواكَ، وانقيادك في سبيل شيطانكَ بمبتغاكَ، فيقتنص فَوحِ قلبكَ بالحبِّ كذريعة للزَّجَُ بكَ في الهَلاك؛ فارتق في حُبِّكَ ولا تتدنَّ فتنغمس في شهواتكَ بهوَاك.
هدأ قلبي واطمأنَّ، وفطن لذلك معلمي من بسماتي المُفْترّ بها وجهي؛ هَمَمْتُ أن أسأله أن يزيد، وأن يعطيني من المثال ما يُفتي قلبي فيما يُريد، فأنشد وقد لمعت عيناه بسعادة كأنه يزيدني بما أريد:
بِنَا من جَوى الأَحْزَانِ فِي الصّدْرِ لَوْعَة..
تكادُ لها نفس الشّفيقِ تذوبُ
ولكنَّما أَبْقَى حُشَاشَة َ مُقْولٍ..
على ما بِهِ عُـودٌ هناك صليبُ
وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى..
ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيـبُ.
(النظم في النص لعروة بن حزام، الملقب بشهيد العشق).