يا سيدةُ الصَّمت.. صباحكِ كملامحكِ، كاذبٌ بهدوئك.. صادق بغليانكِ.. مُفعمٌ بنسيم رُوحك..
لستُ أعلم لمَ حتى الآن تبثيني كل ما يجولُ في عالمكِ الصَّاخب وأنتِ وَحدكِ، كل شيء يأتيني منكِ أشعره وأعلمه وأراه واسمعه وأنتِ تمثال ظاهره رخامي وباطنه ذائب من فرط تماسكِ؛ لا أدري لمَ لَمْ تُحطمي عنكِ قيدكِ القديم، المتغلغلُ في يدا قلبكِ حتَّى الضّلوع.
قد صرتُ مثلكِ، لا أستطيع البوح بأريحية معكِ، ليس إلا لتراجُعكِ دومًا، فحينما أجد منكِ نقطة غيثٍ أقول لنفسي ها هي سوف تفيضكَ من سُحبها المتراكمة التي خزَّنتها سماؤها حتى اسودَّ بياضها من دخانِ براكينَ قلبها الكثيف، لكن لا تفتئين بقول كلمة حتى تصمتين.. يا كريمة العطاء إلا معي..
لستُ أدري لمَ ترفضينَ أشياءً وتقبلين غيرها وأنتِ في حضرة الحياة، العالم الذي قد هيَّأ نفسه لكِ وازَّينَ وأنتِ العروس النَّاشِز!
لستُ أدري لم، وأنتِ الحاذقة الذكية، تخافينَ كأنكِ طفلة، تخجلين كأنكِ البنت المراهقة التي يحمرّ وجهها من كلمة مدح ولو كانت من أمها..
(سأقولُ لكِ أشياءً ربما لا أقولها وأنتِ معي.. مثلكِ.. مثلي.. فأنتِ الحييَّةُ الخَجْلَى، الهادئة، الصادقة، الرزينة العاقلة، المشاغبة المجنونة، أنتِ المترنِّحة، وما ترنُّحكِ إلا في عقلكِ وقلبكِ)
عذراءٌ أنتِ، في قلبكِ، في روحكِ، في حُبكِ، أنتِ الزَهرة التي لم تقطفها يدٌ بعد، ورغم قطفها (الواهم) إلا أنها لا زالتْ حُبلى بأمنية قطفها من يدٍ تعي مَعنى الاحتواءِ لا التملّك..
مثلكِ، يا صغيرتي، لا يُملّ منه، فأنتِ عالمٌ يحتوي كنوزًا كثيرة، لكنه مُمسكُ العطاء، شحيح البثّ.. عالم أرقني ببساطته أحيانًا وغموضه أحايين، عالمٌ لا أريد فك طلاسمه، بل أريد تشربها، عالم يعجّ بتيهكِ، بثمالتكِ، بألمكِ، بفرحتكِ، بكينونتكِ، بتفاصيلكِ، بجل ما يخص امرأة قد بُنيَتْ على الغموض والألم..
يا ياقوتة، يا رقيقة القلبِ والطبعِ، وخصبة الروح والطَّلعُ، إني لأخشى النَّاس عليكِ، وأخشاهم عليكِ من نفسي، وكثيرًا حاولتُ التبخُّرَ لكن.. وأدت كل محاولاتي نفسي…
حتّى الآن أقترب من بحرِ بوحي بمهلٍ ثم أتراجع، ليس إلا لوجودكِ رغم غيابكِ عني الآن، فأريد البوح لكن تتقافز أمامي صورتكِ وأنتِ تغضبين - بعصبية فتاة سُجنتْ داخل غموضها - من بَوحي..
أعلم شوقكِ لتفاصيلي، عطشكِ لكثير منها، وبَوحي عزيز النفس عصي السيلِ إلا على سهول وجودك، وأنتِ تطلبين ذلك، تشيرين إليه، حينها سيفيض البئر ويروي قريتكِ العَطشى، ويروي تشققات عقلكِ تجاهي.. لكن.. وأهمسها لكِ في صمتٍ.. لا أريد أن أعزف بين يديكِ شيئًا دفينًا إلا بمبادرة منكِ، ولن أبالغ إن قلتُ إلحاحًا؛ لكن أنى لي هذا وأنتِ يحفك كبرياؤكِ من كل جانب.. يا أرق متكبرة.
تقولين أنَّكِ أعطيتني مفاتيحكِ كلها، كي أتفهم كنه النبع الذي يخرج منه سلسبيل البوح، ولي في ذلك قولٌ واختلافين؛ أما القولُ فأرى أنّكِ قد بيَّنتِ بعض ما استغْلَقَ عليَّ، وأبنتِ ما قد أرق بضع من فكري؛ وأما الاختلافَينِ فلن أبيِّنهما الآن..
أنا إنسان بسيط، خلق من عدم ووحدة، وترعرع على صمتٍ ووحدة، وشبَّ على شِدةٍ ووحدة، وحدها تلكم الوحدة من وهبتني نفسها في كل مراحلها القاسية، فصرتُ من إخلاصي لها لا أستطيع الحياة دونها، حتى إن خنتها ذات مرة وصرت في وسطهم صَيَّرتني وحيدًا، شاردًا، كأن لا أحد حولي. فقد صادقت فتايات عدة وضربت خيامي في عقر مدنهم، أو ربما هن قد شعرن فيّ شيء جعلهن يلجأن إليَّ ويحكين معي وأنا الصامت المستمع بإنصات؛ حينها أيقنت أن الوحدة قد تركتني وذهبت لغيري، لكن دومًا حينما ينتهين من البوح يتبخرن حتى دون وداعٍ، لذا صرتُ لا أنتظر من أحد قربٍ أو مؤانسة.
أنا رجل يعشق التفاصيل، ينتشي هيامًا بتفاصيل كل شيء، التفاصيل تسلبني عقلي وتجعلني أسير الفضول؛ لذا قد ظمأت لفيضكِ لكنكِ ممسكة، ورجوت غيثكِ وأنتِ المُجدبة، وتمنيتُ سردكِ وأنتِ المُجمِلة؛ تحبين كونكِ غامضة غير مُفيضة، تلمع مفاتيحكِ في أقصاكِ كسراب ماء كاذب في صحراء لظامئ فيكِ مِثلي… يا أصدق واهِمة
أيا عِشق.. تحيَّةٌ من نفسٍ أضاء دُروبها شَمسُ نقاءَكِ… أيتها الطفلة المُدللة، أيتها العَنود العَصِيَّةْ، ما لكِ وقد غضبتِ من الانتظار، أعلم أنّ مثلكِ، يا صَغيرة لم يُخلقْ له، إنما خُلق الانتظار لمثلنا.. فرأفةً بي.
ما قَبلتُ اسمكِ الذي أرفضه منذ البداية إلا حينما أوَّلْتُه تأويل العرَّاف لبينةٍ في نفسِ أحدهم، فما حرفكِ الأول إلا معنًى للمودة والمحبة، والثاني صفة ياقوت مُيِّزتِ به وبصلابَتهِ واستفردتِ بنفاستِه، فصرتِ شفافة مثله، ولكن الحق يُقالُ أنه قد اكتسب تلك الميزة منكِ… والثالث ابتداءَ كل شيء، وهي الإلفُ والأُلفَةٌ، والأملُ والآمال والأحلام… والرابع دلالةُ خير، وديار عفةٌ ورحمة، ودُور صفاءٍ ونقاء.. والخامس أكتنزه لي، ولكِ حين لقاء.. أما التَّاءُ انتهاء كل شيء مؤلم، فالتاء لينة إن وقفنا عليها، سكنٌ لكل من أراد أن يهدأ من وعثاء الأيام… وختام مسك لكل ما هو جميل.. مثلكِ.
آية عطية عبد الفتاح الغمري
آمال محمد صالح احمد
ايمان سعد عبد الحليم بسيوني
منى أحمد محمد إبراهيم
أيمن موسي أحمد موسي
د. زينب عبد السلام محمد أبو الفضل
هند حمدي عبد الكريم السيد
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
يوستينا الفي قلادة برسوم
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
ياسر محمود سلمي
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 



































