نشرتُ ذاتَ مرةٍ رابط موقع "صراحة" الخاص بي على صفحتي، وذلك بعد تفكير مليّ وتراجع وتردد داخلي جلي؛ فحادثني حينها مُعلمي، رحمه الله، وكنت أعلم أنه سيحادثني، فكان أول حديثه:
- لماذا؟
- لماذا ماذا؟
- أنتَ تعلم عمَّ أسأل، وأعلم أنكَ توقعت سؤالي ذاك، وهذا ما جعلكَ تتثاقل فيما أقدمتَ عليه.
- لا لشيء سوى أن أرى عيوبي بعيونهم، والتي ربما لا أستشعرها فيَّ.
- أولا ترى فيكَ عيوبكَ؟
رددت عليه بنفس جملته:
- المرء عن عيوبه طليس، يرى قلبه دِمقسًا وهو الغَطيس.
- أتقصد أن ذلكَ تقويم عِوج نفسكَ؟
- تقويم عوج نفسي وصدّ ثغرات الشيطان.
- أذلكَ ما أقنعتكَ به؟
- مَنْ؟
- نفسك التي أوهمتكَ أن بها ذات عِوجٍ، وقد صَدَقَتْ، لكنه مدخل حقٍّ يُراد به باطلًا؛ فلا ضَيرَ من ذمِّك مع مزيد من المدح، وبَحَّة صوتك* مع جميل الصَّدحِ، ونضوب بِئرُكَ* مع الغيث والنَّضحِ*.
فاعلم، علَّمكَ الله، أنَّ النفس ما إن أدخلتكَ من بابِ خيرٍ إلا، إن لم تكن فطنًا، أوْصلتْكَ إلى شرٍّ، وما أشارت عليكَ بإحسانٍ إلا أوردتكَ لحَرٍّ*، وما أوهمتْكَ بما ينفعكَ إلا وفيه كل ضُرٍّ.
- والشيطان؟
- أرأيتَ إن أعطيتُكَ سكينًا وقلتُ لكَ اقتل نفسك ففعلت، فمن الجاني الحقّ؟
- كلانا.
- لا يا ولدي، أنتَ (نفسكَ) الجاني؛ فالشيطان يُعْلِمكَ الطريق ونفسكَ إليه تُوصلك، ويُشير إلى الشيء ونفسكَ إليه تأخذك، فتجلسُ منكَ مجلس النَّاصح الأمين، تهديكَ عسلها حُبًّا وهو سمٌّ مُبين، وتهبُكَ إخلاصها ودًّا وهو الحب الضنين.
فاضرب على نفسكَ بسوط الحزم، واغضض من شهواتها بكل عزم. ثم .. إن وجدت مَدحٍ فاحمد الله أن غضَّ عن سوئكَ أنظار العالمين، وإن وجدتَ ذم فاشكر الله أن وهبك التوبة قبل يوم الدين، فأمسك على نفسك بقبضة رجل وإلا كان الخسران المبين.
----------------
* بحة الصوت: يقصد بها صوت الحق.
* نضوب البئر: بئر الأعمال الصالحة.
* الغيث والنضح: أي الأعمال المُتَوَهَّم كثرتها.
* الحر: المقصود به حر نار الآخرة حينما يتسيد أعمالنا الرياء.