أخبرتني زوجتي منذ يومين أن الحادي والعشرين من مارس قد اقترب، والأنثى لا تذكر تاريخًا بعينه إلا لمناسبة لها فيها باع وذراع، فهمت أنها كانت تقصد عيد الأم. لكن لم يتطرق لذهني حينها إلا اليوم العالمي للشعر، وجال في فكري صدى بيت "أبو القاسم الشابي":
يا شعرُ أنت فمُ الشُّعورِ
وصرخةُ الرُّوحِ الكئيبْ
المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999 اعتمدَ، لأول مرة، يوم 21 مارس اليوم العالمي للشعر بهدف إثراء مجال الشعر والارتقاء به، ولضَخّ الدم من جديد في قلوب الشعراء من خلال تحفيزهم وتشجيعهم ودعمهم، ومنحهم التقدير والاحتواء في مناسبة كتلك.
فبداية من هوميروس حتى الشعراء المعاصرين نجد أن الشعر قد ساهم بدور كبير في إثراء الحضارة الإنسانية، ونقل ثقافات عديدة من خلال كلماته بسيطة التركيب عميقة المعنى، تجري في عقل الإنسان مجرى الفكر، وتطور من كينونته بشكل جذري يبدو في تغيير سلوكه وتقويم اعتناقاته؛ والشعر قد استساغه الأمّي قبل العليم، ورددته العامة قبل الخاصة، وتغنى به الصغير قبل الكبير، فصار الزاد في الحرب والبسمة في السلم، والطاقة والبأس في لحظات الخنوع واليأس.
هو درة الأدب، تجرع مرّ الإنسانية ونَضَح لنا قيمًا نديَّة طيبة أزهرت لنا طيبًا، ونبذَ من النفوس العنف والكراهية والغل.
يسحرني الشاعر "حسام المقداد" في وصفه للشعر حينما قال:
الشّعرُ مسٌّ، قِيلَ في الشّعراءِ
أو عَزفُ جنّ، رنّةُ الوَرقاءِ
مزنٌ وترْسلُه السّماءُ تتابعًا
يَستنزلُ الرُّحْمى على الخَضراءِ
دُررٌّ على مرّ الزّمانِ كشامةٍ
في سفْحِ نهْدِ الكاعبِ الحسناءِ.
طال صمتي وأنا أتفكر في الشعر وسؤدده في سويداء الأدب، فلكزتني زوجتي في كتفي موقظة إياي من شرودي، رددتُ بتلقائية دون تفكر: كل شعرٍ وأنت طيبة!
قطبت حاجبيها واستنكرت قولي، استطردت مسرعًا: أقصد كل عام وأنتِ خَيرَ أم يا وردتي.
ردَّتْ في شبه استنكار لعدم فهمي قائلة: بل كل عام وأنتَ بخير بمناسبة عيد ميلادك!