بتلكَ الجُملة البسيطة أحَاكَ الشاعرُ "كريم العراقي" مَاهِيَّةَ الصَّداقة، التي تَتَأتَّى منْ كونِ الشخص انعكاسًا لخلِّهِ، فليس في كونِ الصديق طبيبًا لصديقه كل ما عليه من حق الصداقة، بل تحمُّل الألم ومُعَايشتَه معهُ والعمل على مجاوزته كتفًا بكتف كأنَّهُ صَاحب الجُرح.
فكُنْ يا صديقي طَبيبي واستشفِ جراحاتي، كُن حُلمي وأعطني الأمل، كُن شمسي التي تُبدد فيَّ ليلي الحالك، وصُبحي الذي يقتل في قلبي فُلولَ دُجاي، فإن الدُجى في قلب المتألم تواتيه بكل ما يؤلمه وتُباغته بكل ما يُضنيه.
كُنْ يا صديقي آمالي وهِبني الفرح، فليس ثمَّة فرحة دونما صديق، وليس ثمَّة سعادة دونما رفيق، ورحلة الحياة موحشة لا يؤنس وحشتها إلا أخٌ يأخذ على يدي بكل قوته، يُشير إلى فؤاده ويقول هأنتذا هُنا تَسكن.
كُنْ يا صديقي مرآتي وأرِنِي عُيوبي، ولا تُغلق عنِّي عيناكَ فأبدو عاريًا من كل سترٍ، فأنتَ سِتْرِي حينما أكن عاريًا وسرِّي حينما يفيض بيَ الصًمتُ.
كُنْ يا صديقي أنا حينما أسأم أنْ أكُنْ أنا، فإن لي لحظات أجثو فيها من فرط آلامي، أجثو وألقي بثِقَلِي مطمئنًا أن يداكَ ستتلقفني بكل حب، أسقط بطمأنينة وأعلمُ أنَّ سقوطي يكون على مروجَكَ الخضراء استلقاء رَوْحٍ لا عذابَ رُوح؛ أبتئسُ وأعلمُ أن بؤسي دَمعات في قلبكَ تقطر عليَّ حُبًّا وحنانًا.
كُن يا صديقي شَجرتي الوَارِفة في قيظ الأيام، ونخلتي المثمرة في جَدَبِ الحياة، ومُناي الحَالم في بؤس الأحلام.
كُن يا صديقي عيناي التي تُرشدني الطريق، كُن دليلي حينما أتخبَّطُ في سيري تيهًا، كُن مُرشدي حينما يُظلم سبيلي أمام ناظري من هَاتِيكَ الآلام.
كُن يا صَديقي أحْلامي حِينمَا يُمسُك الأملُ عنِّي رَاحته، وكن طُموحي حينما أتَوَانَى عن الحُلم، كن صَمَوحِي حينما أركنُ إلى نفسي والوَهن.
كُن يا صديقي صِدِّيقًا في صداقتُك، فإن صِدق قربكَ يُعينني على الطريق، وصدق مُبتغاك نورٌ يُرشدني ويُوصِلني إلى النجاة.
كُن يا صديقي قلمي الذي يكتب في تلك الدُنيا مَحاسني، وممحاتي التي تَمْحُو عنِّي زَلَّاتي، وعِطْرِي الذي يَعبَق بالأريج في حُضوري وغيابي.
كُن يا صديقي بالقربِ فليس لي سواكَ، كن وفيًّا في محبتكَ، مُخلصًا في صداقتكَ، مؤمنًا بما بيننا، ألا افتراق.
كن يا صديقي أنا فلستُ قادرًا دونَكَ على المسير، كُنْ يا صديقي أنا واحتمل بُؤسي، كُنْ أنا واحتمل هَمِّي، كُن أنَا واحتَمِل آلامي، كُنْ أنَا واحتمل تِيهِي، كُنْ أنَا واحتمل نفسي؛ كُن يا صَديقي أنا فأنا دُونَكَ دُوني.