كُلما مرَّ عامٌ منْ عُمرِهِ يَقفُ عَلى بَقايَاهُ مُبتسمًا يُلَوِّحُ بالسلام، لا يدري لمَ البسمة لعامِهِ ذَاكَ وهو قدْ بَدَّدَها بمضناته آنفًا! ولا يدري لمَ السلام له وهو قد أكلَ من عُمرهِ مَا أكل بِلا شيء يُسعده؟
يجرُّ أحلامه عِنوَةً للعام الجديد، يقول لها في رجاء: «إن كنتِ آتية بخيرٍ فأهلًا وإلا ... فارجعي». لكنّ لا يُجدِي الرجاء من بأس عَامِه ولا من بؤس ذاته من شيء.
كان ولا يزال يأمل في أيامه البسمة، يُردد دائمًا مع كل عامٍ جديد: «أيتها الأحلام السابتة على قارعة أيامي، ثابتة الخُطى، كفاكِ خنوعٍ وأقبلي». بَيدَ أنها لا تُبالي.
أفكان يستوجب عليه مُصالحة ذاته مع ذيَّاك العام أو مع سابقه؟ أم يظلا كَما هُما، وتظلُ تلك الفَجوَة بَينهُمَا تزيد من غربتيهما؛ ويتسع الانشقاق عن ذاته، والغربة التي بينهما تصير موبقًا لا ينفرج أبدًا، بل تتضاعف مع الأيام حتى تصير جبلًا عاليًا يحجب عنه شمس الحياة؛ وكل عام تُعاد الحكاية.