إلى صديق...
إني لأربأُ عنكَ مِن جَفَائك، وأشكُو إليكَ انشِقَاقُكَ، وأسُوقُ إليكَ عَهدا بَينَنَا لم تَفِه! أتذْكُرُه؟ وقسمًا بيننا لم تبره! أتعلمه؟
فإني، يا صديق، قد وُهِبت فيكَ مجامع الأُلفَةِ، ورُزقْتُ فيكَ مَعانيَ المَوَدَّة، وسكنتُ إليكَ كَمَا يَسكُنُ الطائرُ الجَريح في كنف شجرة وارفة، وهربتُ إليكَ هروبَ سلطانٍ قد ثُلَّ عَرشه أتاكَ مُستجيرًا؛ لكنَّكَ ضربتُ بأيامِ جَفوكَ في جَبَلِ قُربنَا فصيَّرتُه كثيبًا!
أيا صديق.. أبثُّكَ شكواي فيك وأنتَ الجائرُ، وأنحو تجاهكَ عَلَّكَ تُداوِني منك وأنت الدَّاءُ القَاهر، وأروم محبتك من سَخَطكِ القاسي وأنت في صداقتنا جائرٌ؛ فهل دَاويتَ ما بيننا من تصدُّعْ وجرح غائر؟
فإنَّكَ... أقصدُ إنَّكِ - وأستميحُ العهد بيننا عُذرًا، وأرجوه مُخًالًفةً - مِنحَتي ومِحْنَتي... فأنتِ صديقي وصَديقتي، قَدر مَا تغضبينَ منْ هَاتِهِ الكَلمة.
قلتِ لي ذات حِوار أنَّكِ تُريدينَ أن تَكونِي صَديقي لا صَديقتي، أن أمِيلَ إليكِ وعليكِ مَيلَ الرجل للرجل في وقت شدته، أن أعْهَدَ إليك ألَّا أرى فيكِ إلا صديقًا مُقربًا، وألا أنعتكِ بكسرٍ أبدًا، فأنتِ - كما أخبرتني حينها - تكرهين أنوثتكِ، حتى إنني صِرتُ أناديكِ باسمي كيما أبرُّ بعهدي إليكِ، وإني على العَهد حتى تلكم اللحظة، بيدَ أن شيئًا بيننا قد تبدَّل، حينما مِلتُ إليكِ ذات يأس، ثم عدلتُ عنكِ، لكنَّ القلب لم يعتدل، ولا زال مائلًا ناحَكِ.
أيا صَديقة...
ما ذنب زنبقةٌ قد نمت بيننا في كنفِ شمس صداقتنا، وما ذنب ذلك الطُّهر أن يُمحى دونما ذريعة؟
فإني، يا صديقة، ويا... حبيبة قد جُرتُ في صداقتنا، وملتُ نَاح حُبكِ دونمَا إرادة، ونأيتُ عن صوت عقلي وتركتُ لقلبي مفاتح السِّيَادة، ثم جعلتُكِ قِبْلَة الوَلهِ وإتِّجَاه الحبّ وآلهةَ المَيلِ، ولولا خشية ربي لصيرتُ عشقي عِبادة. فيَا جافية، والجفو منكِ عَادة، مَتى ستهبينا الأمان، وتهبي قلبكِ السيادة.