يتحدث احد ضباط اللواء 25 مدرع ملازم اول .ح. / نبيل نشات مرسي عن الشهيد البطل / العقيد "جمال محمد مهدي"
■ذكريات: البحث عن المفقودين؛ والرجوع بجسد العقيد الشهيد.
بعد عودتنا؛ من معركة تطوير الهجوم؛ وبعد غروب الشمس؛ حضر إلى "علي عبد العليم “، شاويش فصيلة المشاة، التي تركها قائدهم ؛ كان مع "علي" جندي يحمل RPG 7؛ وجندي أخر يحمل رشاش كلاشنكوف 7.62 × 39
علي قال لي: أنه سوف يذهب للبحث عن جنود فصيلته المفقودين.
"علي عبد العليم"؛ الذي استشهد في الثغرة، كان دبلوم تجارة من محافظة القليوبية؛ عمره 19 عام.
على لم يحضر لي لكي يستأذن، فأنا لم أكن قائد السرية، وهو لم يكن في حاجة إلى إذن من أحد؛ فقد كان قد اتخذ قراره؛ بالعودة لميدان المعركة والبحث عن أصدقاءه المفقودين.
أنا لم أسأل على "لماذا اختارني ليقول لي هذا؟".
ولم أسأله عن عدد الجنود المفقودين من فصيلته.
أنا أيضا، لم أكن أحتاج إلى أن أستأذن من أحد؛ أخذت سلاحي الشخصي؛ وقلت له:
"أنا جاي معاك".
تحركنا، في الليل، سيرا على الأقدام، في نفس الطريق الذي سرنا فيه في الصباح أثناء تطوير الهجوم.
قبل خروجنا من قطاع الفرقة السابعة مشاة، اتفقنا مع الضابط المسؤول، على طريقة للتعارف، حتى لا يطلق جنوده النار علينا عند عودتنا.
في منتصف الطريق تقريبا، قابلنا ضابط مدرعات به إصابات؛ تطوع الجندي الذي كان يحمل RPG 7، بمساعدته في الوصول إلى المستشفى الميداني في الخلف.
لم نقابل أي جندي من المفقودين، لكن عندما اقتربنا من نهاية الطريق الذي قطعناه في الصباح؛ سمعنا صوت موتور دبابة.
اقتربنا بحزر، واكتشفنا أنها دبابة "تي 62 "؛ أي أنها من دبابات كتيبة الدبابات التي كنا ملحقين عليها منذ بداية الحرب.
اقتربنا أكثر، ووجدنا جسم علي ظهر الدبابة، جزء منه محترق لأنه كان فوق شكمان الدبابة
شكمان الدبابة تي 62، كان يقوم بطرد غازات العادم إلى أعلي ظهر الدبابة وليس إلى مؤخرتها، وكان مغطي بشيكه من الصلب.
المفاجأة، كانت عندما حاولنا إبعاد الجسم الموجود فوق ظهر الدبابة، عن الشكمان؛ اكتشفنا أنه العقيد "جمال مهدي"
لم نكن نعلم حتى ذلك الوقت أن العقيد جمال قد أستشهد.
الدبابة كان سليمة، والموتور يدور؛ إلا من صاروخ اخترق غطاء برج الدبابة المفتوح في وضع عمودي على الأرض.
يبدو أن ما حدث هو ما يلي:
• العقيد جمال بعد أن أصدر أوامره؛ لم ينسحب؛ لكنه ثبت في مكانه؛ واخذ يدير معركة التخلص من الاشتباك، وهو واقف في برج الدبابة.
• الصاروخ، بعد أن اخترق غطاء برح الدبابة المفتوح، أصاب العقيد جمال، وتسبب في سقوطه فوق ظهر الدبابة، وجزء من نصفة الأسفل فوق الشكمان.
• طاقم الدبابة، تركها وابتعد عنها بسرعة؛ لأنه اعتقد أن الصاروخ الذي أصابها، قد يتسبب في انفجارها.
قررت العودة بسرعة، وأخطار رئيس عمليات كتيبة الدبابات بما وجدت.
عندما وصلنا إلى كتيبة الدبابات، طلبت مقابلة رئيس العمليات؛ وعلمت انه في حالة نفسية وذهنية لا تسمح له بتولي القيادة، منذ أن علم باستشهاد العقيد جمال.
قابلت من تولي القيادة بعده؛ أستمع لي، ثم أمر بحضور 2 من ضباط المدرعات؛ وطلب مني أن أذهب معهم إلى مكان الدبابة، علي أمل أن يتمكنا من قيادتها والعودة بها ومعها جسد العقيد الشهيد.
بعد أن قطعنا الطريق سيرا على الأقدام؛ ووصلنا لمكان الدبابة، تأكد ضباط المدرعات من:
• أن الجسد الموجود فوقها للعقيد جمال فعلا.
• أن الدبابة سليمة ويمكن قيادتها والعودة بها.
• أن وثائق قائد الكتيبة سليمة وموجودة في داخل الدبابة
أتجهنا بالدبابة، إلى المستشفى الميداني الموجود في الخلف، على شاطئ القناة؛ وسلمنا جسمان الشهيد العقيد جمال.
عدنا إلى كتيبة الدبابات؛ جميع من كانوا في انتظارنا كانوا سعداء بعودتنا، وعودة الدبابة، وبتسليم جسد العقيد جمال للمستشفى الميداني.
عندما عدت إلى مكاني في سرية المشاة؛ كان ينتظرني رقيب أول السرية "حسن مخلوف “؛ وكان أكبرنا في السن.
أتجه حسن مخلوف نحوي وهو يزك بقدمة اليسرى؛ بسبب إصابة قديمة من أيام حرب اليمن.
وعندما وصل، قال لي:
"بلاش تتهور تانى".
ابتعد عني قليلا ثم عاد ليقول لي: "أسمع الكلام وبلاش تتهور تاني".
وقتها فقط، أدركت أن الرجل كان يحبني في الله.
وبذلك، انتهي يوم، وبدأ يوم جديد؛ من تلك الأيام التي خرجنا فيها للحرب.
ظلم الشهيد عقيد "جمال مهدي"؛ كما ظلم كل رجال وقادة اللواء 25 مدرع مستقل؛ لأسباب قد أتحدث عنها.
تذكرته القوات المسلحة بعد مرور 45 عام على استشهاده. وتم تكريم اسمه، في الندوة التثقيفية أل 27 يوم الخميس 15 – 3 -2018؛ وتسلم التكريم من الرئيس "السيسي"، نجله اللواء طبيب "إيهاب جمال الدين محمد مهدي".
رحم الله رجالا كانوا رجال رحم الله رجالا صنعت لنا نصرا نعيش علي مجدة ولم نصنع غيره