القادسية هي مدينة تاريخية في العراق وتقع في الجزء الجنوبي من العراق، يمر فيها فرع من نهر الفرات يعرف بشط " الحلة " ويرجع سبب تسميتها مشتق من معركة القادسية التي حدثت بين المسلمين في العراق والفرس في إيران
أسباب المعركة
بعد معركة الجسر التي وقعت سنة 13هـ عزموا الفرس على طرد المسلمين من العراق وكان في هذا الوقت يوجد حاكم مسلم على منطقة " أليس" هو المثنى بن حارثه الشبياني أسد العراق أتى المثنى" أليس" فنزلها
(بعد واقعة الجسر) وكتب إلى عمر بن الخطاب بالخبر ، مع عروة بن زيد
لما وصل كتاب المثنى إلى عمربن الخطاب وعرف تجهز العجم بعد أن اجتمع أمرهم واتحدت كلمتهم قال: «والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب » وكتب إلى المثنى ومن معه يأمرهم بالخروج إلى " تخوم العراق " والتفرق في المياه التي تلي العجم، وأن يستمدوا أهل النجدة ليكونوا معهم حتى لا يبغتهم الفرس وهم في غير عدد وعدة
الاستعداد المعركة
بعد هزيمة الفرس في معركة " البويب " التي حدثت في رمضان سنة 13 هـ ، بين القوات الإسلامية وعلى رأسها المثنى بن حارثة، والقوات الفارسية الساسانية وعلى رأسها مهران بن باذان قائد جيش الفرس، وذلك في الحيرة، وقد كانت الغلبة في هذه المعركة للمسلمين،فكان لا بدَّ مِن لقاء عسكري حاسِم يُنهي الوجود السياسي والعسكري للفُرْس في العراق، ويمكِّن الدعوة الإسلامية أن تشقَّ طريقها إلى الناس في العِراق، ويجعل العراقَ دار إسلام، وأمْن وسلام، فكانتْ معركة "القادسية" ذلك اللِّقاء العسكري الحاسم
أحداث المعركة
كانت حرب القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاس – رضى الله عنه، في السنة الخامسة عشر من الهجرة ويعد هذا التاريخ هو التاريخ الأصح من بين التواريخ التي وضعت للمعركة ، وكان هذا في فصل الشتاء
وقد ذكر بن كثير في كتاب " البداية والنهاية "، كانت معركة القادسية وقعة عظيمة لم يكن بالعراق أعجب منها وذلك: أنه لم تواجه الصفان ، ثم سار سعد فنزل القادسية وبث سراياه، وأقام بها شهرا ، لم يرى أحداً من الفرس ، فكتب سعدٌ إلى أمير المؤمنين عُمرَ يصف له "القادسية" وما جاورها من البلدان، ويخبره أنَّ جميع مَن صالح المسلمين قبله من أهل السواد ألْبٌ لأهل فارس قد خفُّوا لهم، واستعدوا لقتالنا، ويخبره أيضًا أنَّ الفُرْس قد أعدُّوا جيشًا بقيادة رستم وأضرابه، وعسكروا في " ساباط " يحاولون إنغاضنا وإقحامنا، ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم، وأمرُ الله بعدُ ماضٍ، وقضاؤه مُسلِم إلى ما قُدِّر لنا وعلينا، فنسأل الله خيرَ القضاء، وخيرَ القدر في عافية
تتابعتْ تعليمات عمر - رضي الله عنه - لسعد بن أبي وقاص كأنه يُدير المعركة، ويتحكَّم في حركة الجيش وسعد يُنفِّذ ما يُؤمر به، فقد كتب عمر لسعد يقول: "لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم، ولا يأتونك به، فقد أُلْقي في رُوعي أنكم إذا لقيتم العدوَّ هزمتموهم، فاطرحوا الشك، وآثروا اليقين عليه، واستعِنْ بالله وتوكَّل عليه"، وأمره الوفاء بالعهد، وحذَّره من الغَدْر وعاقبته، وأمره أن يبعثَ إلى ملك الفُرس وفدًا من أهل الرأي والمناظرة والجلد، يدعونه إلى الإسلام لكن فشلت المفاوضات بين جيش الفرس،كان سعد ابن أبي وقاص أجْرأَ الناس وأشجعَهم، نَزَل قصرًا غير حصين بين الصَّفَّيْن، فأشرف منه على الناس، لكنَّ سعدًا لم يتمكَّن من قيادة المعركة في الميدان لجروح أصابتْه في مقعدته وفخذيه، غير أنَّه ظلَّ يخطط للمعركة ويشرف عليها، ويتابعها من تلٍّ مرتفع، وكان خالد بن عرفطة العذري يقود المعركة، وينفِّذ تعليماتِ سعد، ويبلغها للقادة العسكريين في الميدان
وقبل النزول لساحات الوغى، "أمر سعدٌ الناس بقراءة سورة الجهاد، وهي الأنفال، فلما قُرئت هشَّت قلوب الناس وعيونهم، وعرَفوا السكينة مع قراءتها، فلما فرَغ القراء منها قال سعد: الزَموا مواقفكم حتى تَصلوا الظهر، فإذا صليتم، فإني مُكبِّر تكبيرة، فكبِّروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبِّروا والبَسوا عدتكم، ثم إذا كبرتُ الثالثة فكبِّروا، لينشط فرسانكم الناس، فإذا كبرتُ الرابعة فازحفوا جميعًا حتى تُخالِطوا عدوَّكم، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
اليوم الأول للمعركة : يعرف بيوم أرماث لعلَّ سبب التسمية بـ "أرماث)" اختلاط الجيشين بشكل كبير، فيُقال: رمث القوم إذا اختلَطوا، وأرماث أول أيام المعرَكة)
كان اليوم الأول يوم أرماث، وقع بسبب الفيلة اضطرابٌ في صفوف المسلمين، قُتل منهم في هذا اليوم خلق كثير، وقُتل من الفرس يومها أكثر من ألفي مقاتل، وفي ليلة الهدأة كان قد وصل جُند الشام بقيادة القعقاع بن عمرو التميمي، فعمد القعقاع إلى جُنده -وكانوا ألفًا- فقسَّمهم إلى مئة قسم، كل قسم مكون من عشرة، وأمرهم أن يقدموا تباعًا عند طلوع الشمس، كلما جاء عشرة تبعهم عشرة؛ ليرفع بذلك من معنويات جيش المسلمين، ويُرعب جيش الفرس
في صباح اليوم الثاني وهو يوم (أغواث)
وسبب التسمية بأغواث وصول طليعة المدد (الغوث) من الشام، وهم آلاف من المقاتلين بقيادة هشام بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ويُعاونه القعقاع بن عمرو التميمي، وسُميت ليلتها بالسواد.
خرج القعقاع وطلب المبارزة، فخرج إليه قائد من قادة الفرس، وهو ذو الحاجب (بهمن جاذويه) الذي أوقع بالمسلمين مقتلة في معركة الجسر قبل القادسية، فلمَّا رآه القعقاع صرخ في وجهه قائلاً: يا لثارات أبي عبيد والجسر، ثم ما لبث القعقاع أن جندله أرضًا، ثم نادى فيهم: هل من مبارز؟ فخرج إليه اثنان من قادتهم الـبيرزان، والـبندوان، فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان، فجندلاهما أرضًا، فقتل صباح اليوم الثاني ثلاثة من قادة الفرس الخمسة، فوهن ذلك في عضد الجيش، وأراد القعقاع أن يثأر للمسلمين من يوم الفيلة، فعمد إلى الإبل وألبسها البراقع –البُرقع التي تلبسه المرأة– وأمر الجند أن يكونوا حولها بخيولهم، ولم يكن في اليوم الثاني فيلة؛ لأن الفيلة كانت في اليوم الأول قد سقطتْ صناديقها، فكان الفرس في اليوم الثاني يُصلحون تلك الصناديق؛ فصارتْ خيول الفرس تنفر من هذه الإبل، وتظُنُّها أشباحًا، فتقدَّم المسلمون، وأوقعوا فيهم مقتلةً عظيمة، واستمرَّ القتال حتى دخل سواد الليل، وسُمِّيتْ هذه الليلة الثانية بليلة السواد، ثم عاد الجيشان إلى معسكراتهم في الليلة الثانية
اليوم الثالث : ويوم عماس: وسُمي بهذا الاسم لشدته على المسلمين والروم على حدٍّ سواء، وسُميَت ليلته بالهريرـ
عمد القعقاع إلى تسريب عدد من جنده إلى خارج أرض المعركة،يبيتوا في الخارج، ثم يأتوا في الصباح على مجموعات وهم يُكبِّرون؛ لترتفع بذلك معنويات المسلمين بهذا المدد القادم، ويرتعب الفرس من ذلك، ثم بدأ اليوم الثالث وهو يوم عِماس، وهو يومُ الفيلة، كان الفرس قد أصلحوا أمر الفيلة، وتلافوا خطأهم الأول، فجعلوا حول الفيلة عددًا من الرجال يذودون عنها مَن يتقدَّم إليها، وعلى ظهورها صناديق كبيرة، فيها رجال يرمون المسلمين بالنبل، فلقي المسلمون منها في هذا اليوم عنتًا شديدًا، وسعدٌ رضي الله عنه في عرينه يرقب المعركة، فأرسل إلى القعقاع وعاصم ليكفياه شرَّ الفيلة، فسألوا الفرس المسلمين، الذين كانوا في جيش المسلمين: أليس للفيلة مقاتل؟ أين تُضربُ حتى تُقتل؟ فقالوا: إذا ضُربتْ في عيونها وأشفارها لم يُنتفع بها، فنزل القعقاع برمحه، وحام حول الفيل الأبيض الذي تنقاد له الفيلة، فرماه برمحٍ في عينه، وكذا فعل عاصم، وغيره من المسلمين، حتى سقطتْ الفيلة، وسقط مَا عليها من الصناديق بمن فيها من الرجال، وولَّتْ بقية الفيلة هاربة، تدوسُ بأقدامها جيش الفرس، فخلتْ الساحة من الفيلة، والتحم الجيشان يتقاتلون بالسيوف حتى المساء، وكان يومهم سواء، لا غالب ولا مغلوب، ثم ما لبث أن نشب القتال بينهم ليلاً، فقد أدرك رستم أن جيشه ليس بقوة المسلمين في المبارزة والمطاردة؛ فاجتاح بجيشه كالسَّيل العارم معسكر المسلمين، وكان القتال ليلًا، والمقاتلون لا يتكلمون، إنما هو هرير القتال، فسمِّيتْ تلك الليلة الثالثة ليلة الهرير.
وفي اليوم الرابع وهو يوم القادسية؛علم القعقاع بخبرته وفراسته أن النصر مع الصبر، وأن المعركة أوشكتْ على الانتهاء، وأنها لمن يصبر، علم أن أعداءه قاتلوا يومًا وليلة دون انقطاع، وقبلهما قاتلوا يومين مع راحة قليلة؛ علم أنهم وهنوا وضعفوا، فحمل عليهم حتى استطاع أن يقترب من قلب مقر رستم، وعندها جاء نصر الله، هبَّتْ ريحٌ فاقتلعتْ طائرة خيمة رستم، وثار الغبار حتى وصل القعقاع إلى سرير رستم، فلم يجده، وكان رستم قد اختبأ تحت بغل، واحتمى بعدليه، فجاء "هلال بن عُلَّفه" رضي الله عنه فضرب العِدل فسقط، ولم يعلم أن رستم تحته، وكان قد ضرب ظهر رستم، فهرب رستم، فتَبعه هلال وسحبه من رجله فقتله، ثم نادى في الجيش: قتلتُ رستم وربِّ الكعبة، إليَّ إليَّ، فأطاف به المسلمون وكبَّروا، وانهزم قلب الفرس، ثم انهزم بقيتهم، فتبعهم المسلمون حتى وصلوا نهر العقيق الذي خلفهم، وكان فيه نحوًا من ثلاثين ألفًا من جنود الفرس، قد ربطوا أنفسهم بالسلاسل، فقتلوا كُلُّهم، منهم من غرق فلم يستطع الهرب، ومنهم قُتل بيد المسلمين.
نزل نصر الله على المسلمين في اليوم الرابع من أيام القادسية، بعد أن قدَّم المسلمون في هذه المعركة أكثر من (8500) شهيدًا، وقُتل من الفرس أكثر من (30) ألف عِلْجٍ، ثمانية آلاف وخمسمائة من المسلمين هو أكبر عدد قدَّمه المسلمون في معاركهم الأولى، وهو دليلٌ على ضراوة المعركة، واستبسال المسلمين، فكلُّهم قد قدم نفسه للشهادة في سبيل الله
هذه المعركة كانت بوّابة لفتح بلاد فارس، ونشر الإسلام فيها وبعدها فُتحتْ بلاد السند- بلاد الهند- وكان بعد القادسية معركة ( جلولاء )، ثم فتح المدائن التي فيها إيوان كسرى، وبعدها كان فتح (تُستر) بعد حصار استمرَّ عدة أشهر، ثم دخل آلاف الفرس في دين الله، ثم كانت معركة (نهاوند) فتح الفتوح، ولم تقم بعدها للفرس قائمة.
يقول ابن الجوزي: "ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مُصلى، وجعل يقرأ: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ "الدخان: 25 - 282"
بحث ودراسة في تاريخ معركة القادسية
أ/ محمود سليمان الشيمي
27 مارس 2025م - 27 رمضان 1446هـ
المراجع والمصادر
• كتاب ( تاريخ الرسل والملوك ) للطبري
• كتاب ( البداية والنهاية ) لأبن كثير
• كتاب الكامل في التاريخ ( ابن الأثير)
• موقع رابطة العلماء السورين ( المكتبة الشاملة )
• موقع ( الموجز في التاريخ )
• موقع ( الدكتور /على محمد الصلابي
• كتاب ( المنتظم في تاريخ الأمم والملوك)