جماعة الرواد الأدبية ولدت كفكرة نبيلة في دمياط
وماتت علي أيدي أنصاف الأدباء
سمير الفيل كاتب متعدد المواهب التي منحه الله إياها فقد بدأ بكتابة الشعر العامي ثم كتب الأغاني للعديد من المسرحيات ثم تحول كليا إلي كتابة القصة القصيرة وقد تميز بسرعة الإنجاز إذا ما طلب إليه كتابة شيء ما علاوة علي أنه غزير الإنتاج ولكن من أبدع ما قام به في مجال الكتابة تلك اللقاءات الصحفية التي عقدها وهو في السعودية حين التحق بالكتابة في صحيفة سعودية في الدمام ومن ثم استمر في عقدها بعد عودته من الإعارة فكتب لقاءات عديدة مهمة مع كتاب كبار وبرع أيضا في كتابة النقد ومن أمتع اللقاءات التي عقدها ذلك اللقاء الذى عقده مع الزميل الراحل كامل الدابي والذى لخص فيه التجربة الأدبية في دمياط علي مدار أربعين عاما أو يزيد ؛
والدابي الذى أدار مكتبة قصر الثقافة في عصرها الذهبي زمنا طويلا شارك فيه في خلق جو أدبي صحي سمح لكثير من المواهب بالتواجد والنمو في جو صحي علي منضدة الرواد الأدبية التي كان الدابي ورفاقه حريصون علي استمرار لقاءاتها الأسبوعية كل يوم اثنين تحت مسمي ندورة مكتبية وقد ساعد هذا المناخ علي خلق فكرة جماعة الرواد الأدبية لتري النور علي يديه في أواخر الستينيات وظلت ردحا طويلا من الزمن برعايته واخلاصه لها وحرصه علي استمرارها وبدعم ورعاية بالطبع من قيادات الثقافة المتعاقبة في دمياط بدءا من كمال القناوي والعدل وسعد عبد الرازق والعبد لله ؛
جماعة الرواد الأدبية ثم نادي الأدب بجمعية رواد قصر الثقافة بدمياط خرج من عباءتهما كثير من المبدعين المتحققين في شتي صنوف الأدب وتكونت علي منضدتها أجيال فذة عرفت في دمياط وعلي مستوي مصر كلها قبل كثير من غيرها من المحافظات الأخري بل لا أبالغ إذا قلت أنها كانت نموذجا يحتذى ومحفزا لكثير من الحركات الادبية الأخري التي تكونت فيما بعد في كثير من المحافظات ؛
كنت خلال فترة إدارتي للعمل بفرع ثقافة دمياط في مختلف اللقاءات والمناسبات أتباهي وأردد بأننا في دمياط نملك حركة أدبية عملاقة ورائدة نتميز بها عن غيرنا ولم نكن نملك رموزا أدبية متفردة أما في بعض المحافظات الأخري فقد كانت تملك قامات أدبية فردية التف من حولها بعض الحركات الأدبية والتي كانت في الأغلب الأعم مرتبطة بشخصيات تلك القامات زالت بزوالهم بينما استمرت حركة دمياط الأدبية ردحا طويلا من الزمن تفرز مبدعيها جيلا بعد جيلا وقدمت للأدب والفن من دمياط لمصر رموزا كثيرة منهم يسري الجندي ومحمد كمال ومحمد السلاموني ومحمد النبوي سلامة وبشير الديك ومجدي الجلاد ومحمد الشربيني وعبد المنعم عبد الحميد وسمير الفيل ومصطفي الأسمر وغيرهم ؛
أعود إلي حوار سمير الفيل مع الراحل الكاتب والشاعر كامل الدابي كشاهد علي العصر وعلي التجربة أؤكد أن وفد الأدباء الذى شارك في احتفالات بورسعيد بعيدها القومي عام 1974 ككل عام كان موفدا من قبل مديرية الثقافة بدمياط وكان الوفد برئاسة كامل الدابي بتكليف شخصي مني كمدير للمديرية وكما قال الدابي حدثت بعض الاضطرابات في بورسعيد قبل بداية الاحتفالات وعرض مسرحية النديم التي كتبها السلاموني ابن دمياط وكان ما يزال يعمل معلما للفلسفة بدمياط وبتصرف أمني عشوائي تم القبض علي من طالته أيدي أمن بورسعيد في مسرح قصر الثقافة من الأدباء والفنانين وحتي المذيعين الموفدين من الأذاعة وكبار الموظفين الموفدين من الثقافة الجماهيرية لمشاركة بورسعيد في عيدها وكان منهم الزميل عزت كريم مدير الثقافة العامة بالثقافة الجماهيرية وسعيد محمد سعيد وكان من الزملاء الكبار في الجهاز وكان كفيفا ولكنه لم يسلم من الاعتقال وسيق بالجميع الي سجن الزقازيق وعاد كامل الدابي إلي دمياط ومارس عمله بشكل اعتيادي في المكتبة بقصر الثقافة حتي قام رجال أمن الدولة بتفتيش منزل السلاموني وصادروا كثيرا من المطبوعات الثقافية كمجلة الفكر والكاتب والطليعة وغيرها ثم بعد يومين قاموا باعتقال كامل الدابي من مكتبه بالقصر واقتيد إلي جهة غير معلومة وظل لثلاثة أيام لا نعلم عنه شيئا وعندما حاولت استيضاح الموقف من العميد إبراهيم الشيخ رحمه الله وكان مفتشا لأمن الدولة بدمياط أكد لي أنه متحفظ عليه لسؤاله كشاهد في القضية ولم يوجه له أي اتهام والا ما كان خرج من السجن مثل السلاموني ومجيد سكرانة وغيرهم من المتهمين في القضية .
نأتي وبسرعة إلي النهاية التي آلت إليها فكرة الرواد الأدبية فبعد دمج جمعية الرواد الأدبية بدمياط في جمعية رواد قصر وبيوت ا لثقافة بدمياط انتهي كيانها قانونا نهائيا ولكن الفكرة ظلت حية في قلوب وعقول كل من انتمي إليها زمنا طويلا إلي أن رحل كثير من الرواد الطليعيين أو تنحت القيادات التقليدية للحركة الأدبية عن الصفوف الأولي واختارت العزلة والاعتكاف بعد النكسة وبعد المطاردات الأمنية العديدة طلبا للسلامة وتربية الأولاد وتولي القيادة من بعدهم بعض من الهواة الصاعدين والذين تربوا علي منضدة الرواد أو ممن جندهم الأمن ودفع بهم ليكونوا عيونا موالية تضمن لهم مددا من المعلومات التي تساعد علي حماية النظام في مختلف المراحل من وجهة نظر القائمين علي هذه الأمور وهذا رصده الدابي في حواره مع سمير الفيل . ومن هنا تراجعت الموهبة لحساب الصنعة والارتزاق بشكل أو بآخر ولهذا حديث آخر ربما يأتي .