القصة القصيرة هو شكل أدبي نثري يتميز بخصائص محددة تميزه عن الرواية وغيرها من الأجناس السردية. فالقصة القصيرة هي عمل أدبي نثري موجز ومكثف يُركز عادةً على حادثة واحدة أو مجموعة قليلة من الأحداث المترابطة. ويلعب بطولتها شخصية واحدة أو عدد محدود جداً من الشخصيات وتعتمد علي فكرة واحدة أو هدف مركزي تسعى القصة لإيصاله. وتتميز القصة القصيرة بـ إحكام البناء والتركيز الشديد وتتجنب الاستطراد والتفصيل الذي نجده في الرواية وغالباً ما يمكن قراءتها في جلسة واحدة
والقصة القصيرة الأساسية لها مجموعة من العناصر لا بد من توافرها مثل الحدث (الحبكة) وهي التسلسل المنطقي للأحداث التي تشكل صراعاً أو قضية وتتصاعد عادةً من البداية إلى الذروة ثم الحل.
وشخصيات القصة القصيرةعادة ما تكون قليلة وغالبا ما تكون ثابتة (لا تتغير) أو نامية (تتطور مع الأحداث) وتعتمد القصة القصيرة علي وحدة الزمان ووحدة المكان فالفترة الزمنية والموقع الجغرافي الذي تقع فيه الأحداث يكون محدداً ومركزاً غالباً.
والسرد في القصة القصيرة عادة ما يكون مرويا بضمير الغائب أو المتكلم أو عبر حوار داخلي
خصائص تميز القصة القصيرة
• الإيجاز والتكثيف: تجنب الكلمات أو الجمل غير الضرورية .
• وحدة الانطباع: تهدف إلى ترك انطباع واحد قوي ومؤثر لدى القارئ.
• التركيز: تركيز الأحداث حول نقطة محورية واحدة.
• قصر المدى الزمني: غالباً ما تغطي فترة زمنية قصيرة.
نشأة وتاريخ القصة القصيرة
على الرغم من أن جذور السرد القصصي القصير تعود إلى العصور القديمة (مثل الأساطير والحكايات الشعبية وقصص العهد القديم وكتب مثل "ألف ليلة وليلة" و "كليلة ودمنة")، فإن فن "القصة القصيرة" بشكله الحديث وبخصائصه الفنية المحددة هو نتاج أوروبي ازدهر في القرن التاسع عشر.
وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مراكز الريادة في ظهور فن القصة القصيرة كجنس أدبي مستقل في منتصف القرن التاسع عشر.
ويعد الكاتب الأمريكي إدجار آلان بو هو الذي وضع أسسها النظرية في أمريكا كما يعد نيقولاي جوجول في روسيا من أوائل من طوروا هذا الفن بخصائصه الحديثة من حيث التكثيف والتركيز ووحدة التأثير.
وقد بلغت ذروة النضج في القصة القصيرة أوج نضوجها على يد كتاب روس مثل أنطون تشيكوف الذي أحدث ثورة في السرد وركز على الحياة اليومية العادية للشخصيات وعلى كتاب فرنسيين مثل جي دي موباسان.
النشأة في الأدب العربي:
تأثر ظهور القصة القصيرة العربية الحديثة بحركة الترجمة والاطلاع على الآداب الغربية بالإضافة إلى تأثير الصحافة التي وفرت منبراً لنشر هذا الفن الموجز.
وفي الأدب العربي سبقت القصة القصيرة الحديثة أشكال مثل "المقامات" و "القصص الشعبي" المترجم أو المروي شفهيًا. وبعض الأساطير الشعبية أما البداية الفعلية في العصر الحديث فقد بدأت القصة القصيرة بالظهور في أوائل القرن العشرين
ويعد أنطون تشيكوف في روسيا أعظم كتاب القصة القصيرة علي الإطلاق حيث ركز علي تصوير الحياة الواقعية لشخصيات مغمورة في مرحلة التحول من الإقطاع إلي الاشتراكية بينما يعد إدحار إلين بو في الولايات المتحدة هو من وضع نظريات القصة القصيرة في شكلها الحديث واشتهر بقصص الرعب والغموض وفي فرنسا اشتهر جي دي موباسان بأسلوبه الواضح والمباشر وقدرته علي التقاط الجوانب المفاجئة للحياة البشرية . واشتهر أو هنري في الولايات المتحدة بنهاياته المفاجئة بينما اشتهرأرنست هيمنجواي باستخدام نظرية الجبل الجليدي حيث لا يظهر من القصة سوي الجزء السطحي.
ويُشير بعض النقاد إلى أن الكاتب العراقي محمود أحمد السيد كان من أوائل من أسسوا للقصة القصيرة بشكلها الحديث في مجموعته "في سبيل الزواج" عام 1921م. أما الازدهار والنضج الحقيقي في القصة القصيرة فقد كان على أيدي جيل الرواد الذين نقلوا القص من مجرد حكاية إلى عمل فني عميق يعالج قضايا المجتمع.
الكاتب الدولة ملاحظات
يوسف إدريس مصر لقب بـ "تشيخوف مصر"، ويعتبر من أهم رواد هذا الفن، حيث نقل القصة القصيرة إلى الواقعية العميقة.
يحيى حقي مصر يُعد من أوائل من أرسوا قواعد القصة القصيرة في مصر، وأشهر أعماله قصة "البوسطجي".
محمود تيمور مصر كان له دور ريادي في تطوير القصة القصيرة وتحريرها من الأساليب القديمة.
زكريا تامر سوريا يتميز بأسلوبه المكثف الذي يمزج الواقع بالرمز والسخرية المريرة، وهو من أبرز كتاب القصة القصيرة جداً.
غسان كنفاني فلسطين اشتهر بقصصه القصيرة التي تعبر بعمق عن تجربة الفلسطينيين وقضيتهم، مثل "أرض البرتقال الحزين".
أحمد بوزفور المغرب يُعتبر من أبرز الأسماء التي طورت القصة القصيرة المغربية الحديثة.
وفن القصة القصيرة لا يزال يتطور وشهد مؤخراً ظهور جنس القصة القصيرة جداً (ق.ق.ج)، الذي يزيد من التكثيف والإيجاز ليقدم فكرة كاملة في عدد قليل جداً من الكلمات.ومن أشهر كتابها في العالم العربي :
• زكريا تامر (سوريا) يُعتبر من الرواد والمؤسسين الحقيقيين للقصة القصيرة المكثفة والرمزية في العالم العربي وكثير من أعماله القصيرة تقترب من شكل القصة القصيرة جداً معتمداً على السخرية السوداء والرمزية.
• سعيد الكفراوي (مصر) من الأسماء المعروفة التي اهتمت بهذا الجنس الأدبي وتتميز قصصه بالجمل المقتضبة والعمق الفلسفي أو الواقعي المكثف.
• محمد المخزنجي (مصر) اشتهر بكتاباته القصصية التي تمزج الواقع بالأسطورة والخيال في إطار مكثف.
• علاء حليحل (فلسطين) من الكتاب المعاصرين الذين تميزوا في كتابة هذا النوع خاصة في تناوله للقضايا الاجتماعية والسياسية بعمق وإيجاز.
• حسن البارودي (المغرب) ساهم في إثراء الساحة المغربية بهذا النوع وتميزت أعماله بالتكثيف الشديد والتركيز على التفاصيل الدقيقة.
• نجيب محفوظ (مصر) على الرغم من أنه رائد الرواية إلا أن له مجموعة من القصص القصيرة المكثفة التي تصل إلى درجة القصة القصيرة جداً في إيجازها وعمقها خصوصاً في مجموعاته القصصية الأخيرة.
مثال على القصة القصيرة جداً قصة بعنوان: مجهول
"التقى شخصان على قارعة الطريق. قال أحدهما للآخر:
- مَن أنت؟
أجاب الآخر بهدوء:
- أنا المواطن الذي يتمنى أن يجد سبباً لعدم كراهية وطنه.
سأله الأول بتعجب:
- ولمن تقول هذا؟
ردّ الآخر:
- للمارة، وللشجر، وللطيور، وللريح. أما أنت، فمَن تكون؟
أجاب الأول بابتسامة صفراء:
- أنا الذي سيبلغ عنك."
وهذا المثال يجسد خصائص القصة القصيرة جداً بامتيازمن حيث الإيجاز الشديد حيث تتكون القصة من حوار مكثف لا يتجاوز بضع جمل قليلة ، ووحدة الانطباع حيث تركز على فكرة واحدة مركزية (الصراع بين حرية التعبير وبين القمع). إلي جانب الرمزية والعمق في التعبير فالشخصيتان ليستا مجرد اسمين فقط بل هما يمثلان طرفي نقيض في الواقع السياسي والاجتماعي (المواطن الباحث عن العدل، والجهاز القمعي المخفي). وأخيرا النهاية الصادمة (القفلة) حيث تنتهي القصة بـ "قفلة" مفاجئة ومؤثرة تترك أثراً قوياً وتلخص حالة من الخوف والترقب في المجتمعات التي تتناولها القصة.






































