لأننا شعب ينسي بسرعة شديدة فقد نسينا ما عشناه وعاشته مصر فيما قبل ثورة يوليو 52 بل لا أبالغ إذا قلت أن الكثيرين قد نسوا ما كان من الإخوان في عهد حكمهم المشئوم لمصر طوال عام أسود فيحلو للكثيرين الآن التهجم علي ثورة يوليو التي أطاحت بالحكم الملكي ولن أتعجب إذا ما بدأت حملات جديدة للتهجم أيضا علي ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان ويحلو لهؤلاء وهؤلاء الترحم علي أيام ما قبل 52 وأيام ما قبل يونيو 2013
وشهادتي للتاريخ أقول أنني قد عشت طفولتي المبكرة قبل 52 وعاصرت الزرقا وكل القرى المصرية وهي بلا مياه شرب نقية ولا صرف صحي ولا كهرباء كنا نشرب من مياه النيل المرشحة ينوي البلح والمشمش ومن الأزيار والبيت الميسور كانت لديه قطارة عبارة عن أسطوانة من الزنك يرقد فوقها زير من الفخار يملأه السقا من النيل أو من الترعة ونشرب من حنفية أسفله من المياه المتسربة من الفخار وكان أغلب أطفال القرية يقضون حاجتهم بجوار جدران المنازل ويجمع المراكبية تلك الفضلات الجافة من جانب جدران البيوت في مقاطف إلي مراكبهم بعد بيع ما بها من ملح خشن من كفر البطيخ ليسمد به البطيخ وكان التعليم قاصر علي أبناء الأغنياء وكنت في المرحلة الإعدادية القديمة كل من في فصلي من البنات أربع بنات فقط من الزرقا والقرى المجاورة ولم تكن هناك كهرباء ولا علاج فالبلهارسيا كانت تفترس الجميع وبسبب العلاج منها بحقن زجاجية لعقار الطرطير والفؤادين بحق زجاجية تغلي مرة واحدة وتعطي الحقن بسن واحدة لطابور طويل من المصابين بها مما تسبب في نشر وباء الفيروس سي ليصيب الجميع ، وكنا نستذكر دروسنا علي طبلية وتحت ضوء لمبة الجاز التي كثيرا ما تسببت في حرائق مرعبة في كثير من المنازل والبيت الميسور كان يمتلك كلوب جاز يضاء من خلال ما يسمي بالرتينة
وكنا في فصل الشتاء تغمر مياه الأمطار الشوارع فلا يستطيع الصغار الذهاب إلي مدارسهم بسبب تكدس الأوحال والمياه في الشوارع فيقوم الأغنياء باستئجار حمالين يحملون أطفالهم إلي مدارسهم ذهابا وعودة فأي مشروع نهضوي يتحدث عنه المترحمون علي الملكية قبل 52.