تواجه اللغة العربية تحديات وفرصًا كبيرة في ظل التحولات الرقمية المتسارعة. بينما أدت الرقمنة إلى انتشار واسع للمحتوى الرقمي، أثرت أيضًا على كيفية استخدام اللغة وتطويرها.بل وأصبحت مهددة في مستقبلها وإن كنا كعرب ومسلمين لا نهتم بذلك كثيرا اعتمادا وتواكلا علي أن الله هو الحافظ قد تكفل بحفظ القرآن الكريم وبالتالي حفظ وحماية لغته .
التحديات:
• هيمنة اللغات الأجنبية: لا يزال المحتوى العربي على الإنترنت يمثل نسبة صغيرة مقارنة باللغات الأخرى (أقل من 3% وفقًا لتقديرات اليونسكو)، مما يضعف حضور اللغة العربية في الفضاء الرقمي العالمي.
• انتشار العامية : في ظل سهولة التواصل عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يزداد استخدام اللهجات العامية بدلاً من اللغة العربية الفصحى، مما قد يؤثر على مكانة الفصحى ووحدتها. وبالتالي تدهور الثقافة العامة لمستخدمي الإنترنت والاعتماد علي العامية في التواصل والبعد عن التمسك بقواعد اللغة من نحو وصرف وإملاء .
• التأخر في تطوير الأدوات والتقنيات : على الرغم من وجود بعض الجهود إلا أن تطوير أدوات وتقنيات معالجة اللغة العربية (مثل الترجمة الآلية، التعرف على الكلام، والمدققات اللغوية، وبرامج الكتابة المباشرة بتحويل الصوت إلي لغة مكتوبة والعكس ) لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدعم والتطوير ليواكب التطورات العالمية.
• الفجوة الرقمية اللغوية : هناك فجوة بين قدرة اللغة العربية على مواكبة العصر الرقمي وبين مدى مساهمتها الفعلية، مما يتطلب جهودًا أكبر لتعزيز حضورها الرقمي.
• التأثير على الهوية الثقافية: قد يؤدي غياب المحتوى العربي الغني والمتنوع إلى إضعاف الارتباط بالهوية الثقافية والتاريخية المرتبطة باللغة.
الفرص:
• إثراء المحتوى الرقمي العربي : تتيح التحولات الرقمية فرصًا هائلة لإنتاج ونشر محتوى عربي غني ومتنوع في مختلف المجالات، مما يسهم في تعزيز حضور اللغة العربية وزيادة استخدامها.
• تطوير أدوات وتقنيات اللغة : يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في تطوير تطبيقات وأدوات ذكية لدعم اللغة العربية، مثل برامج تصحيح الأخطاء النحوية والإملائية، وأدوات الترجمة الآلية المحسّنة، وتطبيقات تعلم اللغة التفاعلية.
• التعليم الإلكتروني: أحدثت رقمنة مصادر التعلم العربية تحولات كبيرة في طرق وصول الطلاب والمتعلمين إلى اللغة العربية وفهمها، مما يجعل التعلم أكثر جاذبية وتنوعًا.
• تعزيز التواصل العالمي: توفر التكنولوجيا فرصًا للتواصل والتفاعل بين الناطقين بالعربية في جميع أنحاء العالم ، وتبادل المعرفة والثقافة العربية.
• حفظ التراث اللغوي : يمكن استخدام الرقمنة كوسيلة فعالة لحفظ المصادر المعلوماتية النادرة والقيمة باللغة العربية، وجعلها متاحة بسهولة للباحثين والدارسين والمستفيدين.
• الذكاء الاصطناعي: يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا واعدة لتطبيقاته باللغة العربية، مثل تطوير أنظمة تعليم إلكتروني متقدمة ، وتحسين البحث العلمي وتطوير أدواته ، ودعم الترجمة عالية الجودة.
جهود مقترحة لتعزيز اللغة العربية في العصر الرقمي:
• دعم المشاريع الرقمية العربية : بتشجيع ودعم المشاريع التي تهدف إلى رقمنة المحتوى العربي، وتطوير قواعد بيانات معجمية ، وكذلك إنشاء منصات للمحتوى العربي الأصيل.
• تطوير معالجة اللغة الطبيعية العربية : الاستثمار في البحث والتطوير في مجال معالجة اللغة الطبيعية للغة العربية ، لتحسين أداء التقنيات الرقمية.
• تعزيز التعليم الرقمي للغة العربية مع دمج التقنيات الحديثة في تعليم اللغة العربية، وتوفير مصادر تعليمية رقمية مبتكرة وتفاعلية.
• التشجيع على استخدام الفصحى في المحتوى الرقمي والتوعية بأهمية استخدام اللغة العربية الفصحى في المحتوى الرقمي والحث علي الالتزام بذلك دائما ودعم مبادرات لإنشاء محتوى عالي الجودة بالفصحى.
• التعاون الدولي فإن تعزيز التعاون بين المؤسسات والأفراد على المستوى العربي والدولي يعمل علي تبادل الخبرات وتطوير الحلول التقنية للغة العربية.
بشكل عام، تعتبر التحولات الرقمية سلاحًا ذا حدين للغة العربية. فمع التحديات التي تفرضها تفتح أيضًا آفاقًا واسعة لتعزيز مكانتها وتطورها إذا تم استغلال هذه الفرص بفاعلية ودعم .
تحدديات اللهجات المحلية ولغة الفيس بوك في مواجهة أصالة اللغة العربية والرقمنة :
تُشكل اللهجات المحلية ولغة "الفيسبوك" (أو لغة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام) تحديات كبيرة لأصالة اللغة العربية الفصحى في عصر الرقمنة، ولكنها في الوقت نفسه قد تحمل بعض الفرص.
التحديات التي تفرضها اللهجات المحلية ولغة الفيسبوك:
• من أخطرها هو الابتعاد عن الفصحى وتآكل القواعد النحوية حيث يميل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الشباب إلى استخدام اللهجات العامية والاختصارات والرموز والأرقام بدلاً من بعض الحروف العربية (مثل "3" بدلاً من "ع"، "7 " بدلاً من "ح")، بالإضافة إلى دمج كلمات أجنبيةمع مفردات عربية (فرانكو آراب). هذا يؤدي إلى إهمال قواعد اللغة العربية الفصحى والنحو والإملاء، مما قد يضعف الرصيد اللغوي لدى الأجيال الجديدة ويؤثر على جودة اللغة.
• خلق لغة هجينة ومغلقة: ينشأ عن هذا الاستخدام لغة هجينة قد تكون صعبة الفهم على غير المتحدثين بها، وتخلق دوائر لغوية مغلقة بين مستخدمي هذه الأنماط، مما يهدد وحدة اللغة العربية وتواصلها.
• انتشار الأخطاء اللغوية نتيجة لاستسهال الكتابة والنشر على الإنترنت فتقوم بالتالي في المساهمة في انتشار الأخطاء الإملائية والنحوية، مما يؤثر على فهم اللغة بشكل صحيح وعلى جودة المحتوى العربي.
• ضعف المحتوى الفصيح فعلى الرغم من وجود بعض المبادرات، إلا أن المحتوى العربي الفصيح على وسائل التواصل الاجتماعي لا يزال محدودًا مقارنة بالمحتوى العامي أو الأجنبي، مما يقلل من تعرض المستخدمين للغة الفصحى.
• صعوبة في التعلم فإن التعود على استعمال اللهجة العامية يؤدي حتما إلى إهمال الطلاب للغة العربية الفصحى، وقد يتجنبون استخدامها لتجنب الوقوع في الأخطاء اللغوية.
الفرص المحتملة:
• زيادة استخدام اللغة العربية بشكل عام على الرغم من التحديات، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من حجم المحتوى المكتوب باللغة العربية (بلهجاتها المختلفة)، مما قد يساهم في زيادة الوعي باللغة وانتشارها.
• منصات للتفاعل اللغوي قد يمكن استغلال هذه المنصات لتعزيز استخدام اللغة العربية الفصحى من خلال إنشاء صفحات ومجموعات تهتم بنشر المحتوى الفصيح، وتشجيع النقاشات اللغوية، وتصحيح الأخطاء الشائعة.
• تطوير أدوات ذكية : يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية أن تلعب دورًا في تصحيح الأخطاء اللغوية، وتحويل العامية إلى فصحى، وتوفير أدوات تعليمية تفاعلية تساعد على تحسين مهارات اللغة العربية الفصحى.
• الوصول إلى شرائح أوسع: يمكن للمختصين والمهتمين باللغة العربية الوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور عبر هذه المنصات لنشر الوعي بأهمية الفصحى وجمالها.
للحفاظ على أصالة اللغة العربية في ظل هذه التحولات، يتطلب الأمر:
• التوعية بأهمية اللغة العربية الفصحى وزيادة الوعي بأهمية الفصحى كلغة موحدة للتواصل والعلم والثقافة بين سائرالشعوب العربية المختلفة اللهجات حيث تصبح الفصحي هي اللغة الوحيدة القادرة علي تبادل التفاهم والمعرفة بينها جميعا في حين يستعصي علي اللهجات العامية أن تقوم بذلك.
• دعم المحتوى الفصيح : تشجيع إنتاج المحتوى الرقمي عالي الجودة باللغة العربية الفصحى في مختلف المجالات.
• تطوير التقنيات اللغوية : الاستثمار في تطوير أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدعم اللغة العربية الفصحى وتساعد على تصحيح الأخطاء اللغوية.
• التعليم المبكر: حيث يتم التركيز على التأسيس اللغوي الصحيح للأجيال الجديدة منذ الصغر لتعزيز استخدامهم للغة الفصحى.
• التعاون بين المؤسسات: تضافر جهود المؤسسات التعليمية واللغوية والإعلامية والتقنية لدعم اللغة العربية في الفضاء الرقمي.
محاولات علمية تمت ومشروعات لتطوير الأداء الرقمي باستخدام اللغة العربية الفصحي
شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في الجهود العلمية والمشاريع التقنية الهادفة إلى تطوير الأداء الرقمي باستخدام اللغة العربية الفصحى، والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية لتعزيز حضورها وتمكينها في الفضاء الرقمي. ويمكن تقسيم هذه المحاولات إلى عدة محاور رئيسية:
1. بناء المدونات والموارد اللغوية:
مشروع الذخيرة العربية: يُعد هذا المشروع ، الذي أشرف على تأسيسه الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح (1927 - 2017)، هو عالم لغوي جزائري مُلقب بـ"أبو اللسانيات والرائد في اللغة العربية"، اهتدى إلى مشروع الذخيرة اللغوية العربية وهو عبارة عن مدونة ضخمة تشمل كل ما دُوِّن باللغة العربية في شتى المجالات (قديماً وحديثاً). هذه المدونات الضخمة هي أساس تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتطوير الأدوات اللغوية.
رقمنة المعاجم والتراث : توجد مشاريع لرقمنة المعاجم العربية وإنشاء قواعد بيانات معجمية سهلة التداول، مثل جهود اللجنة الاقتصادية لمنطقة غرب آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
المكتبات الرقمية العربية ومشاريع رقمنة المخطوطات : حيث تُعنى هذه المشاريع برقمنة النصوص العربية القديمة والمخطوطات الإسلامية والتراثية لجعلها متاحة للجمهور عبر الإنترنت، باستخدام تقنيات التعرف الضوئي على الحروف (OCR) ) لتحويل النصوص المكتوبة بخط اليد إلى صيغة رقمية قابلة للبحث والتحليل. مثال على ذلك "مكتبة الفرقان الرقمية" ومشروع "المخطوطات العربية في غينيا".
2. تطوير أدوات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) ) للغة العربية الفصحى:
المدققات اللغوية والنحوية والإملائية:
"صححلي" Sahehly): ) وهي منصة عربية شاملة تقدم خدمات التدقيق الإملائي والنحوي، وتحسين الصياغة، وضبط علامات الترقيم ، والتشكيل الكامل والتلقائي للنصوص العربية الفصحى. تستهدف هذه الأداة مساعدة الكتاب والطلاب والمحررين على إنتاج نصوص عربية عالية الجودة وخالية من الأخطاء.
"قلم" Qalam): ) مدقق لغوي ومساعد كتابة ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويقدم خدمات التدقيق الإملائي والنحوي، واقتراح بدائل للمصطلحات، وإعادة صياغة الجمل.
"القواعد" Zap): ) تطبيق مجاني يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدقيق الإملاء والقواعد النحوية وتحسين بنية الجملة.
هناك أيضًا جهود لتطوير مدققات إملائية مفتوحة المصدر لمعالجة الكلمات الخاطئة وتقديم اقتراحات بديلة.
التشكيل الآلي للنصوص : تعد هذه من أهم التحديات التي تواجه اللغة العربية، وقد تم إحراز تقدم كبير في هذا المجال باستخدام الذكاء الاصطناعي لـ "تشكيل النصوص العربية بشكل تلقائي"، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد على الكتاب والمحققين .
أنظمة الترجمة الآلية: على الرغم من أن الترجمة الآلية من وإلى العربية لا تزال قيد التطوير لتحقيق الدقة الكاملة، إلا أن هناك جهودًا مستمرة لتحسينها باستخدام نماذج تعلم الآلة المتقدمة لترجمة النصوص بشكل أكثر سلاسة ودقة.
التعرف على الكلام Speech-to-Text) وتحويل النص إلى كلام (Text-to-Speech):
نظام "صوتك" من "سدايا": يعتمد هذا النظام على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل الكلام إلى نصوص باللغة العربية الفصحى، ويدعم أيضًا اللهجات المحلية، مما يسهم في إثراء المحتوى العربي الرقمي.
توجد تطبيقات أخرى ومشاريع بحثية تعمل على تحويل النص العربي إلى صوت بشري طبيعي، والعكس، لتسهيل الوصول إلى المحتوى.
تحليل المشاعر واستخلاص المعلومات: تستخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل النصوص العربية واستخلاص المشاعر منها (إيجابية، سلبية، محايدة)، وتحديد الكيانات المسماة (أشخاص، أماكن، منظمات)، وهو ما يفيد في تحليل بيانات العملاء، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، والبحث العلمي.
3. نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية للغة العربية Large Language Models - LLMs):)
نموذج "جيس" Jais): ) تم تطويره من قبل معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة، وهو نموذج ذكاء اصطناعي توليدي عربي مفتوح المصدر يعد إنجازًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي للغة العربية.
نموذج "ن" Noon) ) من "نسيج": أطلقت شركة نسيج نموذجها اللغوي العربي "ن" كنموذج مفتوح المصدر، ويهدف إلى تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في فهم وتوليد اللغة العربية.
"علّام" Allam) ) من "سدايا": تطبيق دردشة توليدي يمكنه فهم اللغة العربية وإجراء محادثات مع المستخدمين.
منصة Araby.ai: منصة تقدم أدوات ذكاء اصطناعي مخصصة للغة العربية، بما في ذلك توليد النصوص والصور.
4. المبادرات الحكومية والمؤسسية:
الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا): تبنت "سدايا" العديد من الحلول والابتكارات لدعم اللغة العربية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال إطلاق "مركز تميز الذكاء الاصطناعي لتقنيات اللغة العربية" الذي يهدف إلى تطوير هذه التقنيات بمعايير عالمية.
المعجم العربي للذكاء الاصطناعي (مكتب الذكاء الاصطناعي، الإمارات): تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في قطاعات الذكاء الاصطناعي، وتوضيح المصطلحات التقنية، وتقليل الأخطاء اللغوية.
المجامع اللغوية : تستمر مجامع اللغة العربية في مختلف الدول في جهودها لتوحيد المصطلحات، ووضع القواعد، وتكييف اللغة مع المستجدات العلمية والتقنية.
تُظهر هذه الجهود أن هناك وعيًا متزايدًا بأهمية اللغة العربية الفصحى في العصر الرقمي، وأن الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية أصبح أولوية لتمكين اللغة العربية من مواكبة التطورات العالمية وتعزيز حضورها الرقمي.