أول ما لفت نظري للشاعر الكبير عصام عبد الله هي أغنية "في قلب الليل" بصوت علي الحجار.. الذي استشعر رعشته وهو يغنيها حيث رهبة الكلمات والصور التي تحويها الأغنية..
كانت كلمات الأغنية بمثابة صدمة على أذني حين دققت معانيها وانا لا اتعدى فترة المراهقة.. ربما كانت الكلمات أكبر من أذني.. فأخذت أعيد سماعها حتى حفظتها وبدأت أرددها.. كنت حينما أحفظ أغنية وأحاول فهم معانيها وسر جمالها واقترب منها أكثر من اللازم يذهب رونقها الذي سمعتها به للمرة الأولى ماعدا "في قلب الليل" حتى اليوم أرددها بكامل رونقها وبهاءها وسحرها وغموضها وسر جمالها الذي يكمن في كل صورة وتعبير.. هي أقصى تطور لم تصل له الأغنية حتى اليوم..
أخذت أبحث كثيراً وراء الكلمات ووراء الشاعر.. واكتشفت أن عصام عبد الله شاعر كبير جدا أكبر من أغنية "في قلب الليل".. ولكن فضلت كل ما اسمع الأغنية اسرح جداً واسأل نفسي ياترى ازاي حد يكتب كلمات وصور زي دي.. ايه اللي خلى الراجل ده يركب كاميرا في سن قلمه ويمشي بيها على الورق عشان يطلع تحفة بالشكل ده.. عرفت أن الشاعر كان بيسهر في مكان ما في وسط البلد.. وبعد م بيخلص بالليل متأخر كان يخرج ف يلاقي فتاة جميلة جداً ولكنها "بائعة هوى".. واقفة مستنيه رزقها على حد تعبيرها.. كان مشفق عليها جداً ومتعاطف معاها.. لدرجة أنه تخيل حوار صامت بالعيون دار بينهم في قلب الليل.. يعني في نص الليل واستمر لحد م الفجر طلع.. وعزف الصمت متهادي كموج النيل.. الدنيا سكوت وصمت شديد تعبيراً عن الوقت المتأخر وان الناس نيام.. وبرد الخوف بيتكتك سنان الخيل.. يانهار أبيض على التعبير والصورة.. البنت تشوفها واقفة بكل ثبات وثقة ويهيأ لك أنك لو قربتلها هتاكلك بسنانها بس هي خايفة خوف البرد من جواها.. واستخدم تعبير بيتكتك سنان الخيل تكتكة السنان تعبير عن البرد الشديد والخيل لان الخيل لا تشعر بالبرد اطلاقاً.. الصورة عايزة توصلك حالة الشارع والفتاة والجو القارص.. وما في حد في الشارع سوى مهر اتربط جازع في شجر السنط.. صورة تبان بسيطة قوي بس هي مركبة وفيها وصف صعب جدا يتكتب بالشكل البسيط ده وعمق وبعد في الشخصية والتعبير عن الحالة يعني هي الوحيدة اللي واقفة في الشارع.. وكأنها مهر اتربط في شجر السنط.. شجر السنط ده شجر ضخم جدا جدا وهو من الأشجار المقدسة عند المصري القديم.. واللي يتربط فيه صعب جداً أنه يعرف يتفك منه.. ف ده تعبير عن تقييد هذه الفتاة اللي هو شايف انها متستهالش القيود دي وتستاهل تبقى حرة أكتر.. فضل طبعا يبصلها كتير جدا.. ف صهل المهر.. لم أفهم أخوف مني ام اتعاجب.. بدأت تنظر له شزراً مفهمش هل هي خايفة منه ولا مستغربة نظراته ليها.. حوار طويل وأسئلة وأجوبة فضلت دايرة بينهم طول الليل.. وفجأة هذه الفتاة تقرر انها تنهي انتظارها لأي شخص يعدي ياخدها وتمشي.. وهنا بقى اتفك قيود المهر وشاعرنا رجع بيته مبسوط أنه قدر يحرر فتاة جميلة من هذه القيود أو الحياة اللي متستاهلش انها تعيش مثلها مهما كانت ظروفها.. ولكن بعد ليالي كتير مظهرتش فيها البنت.. وجدها في ليلة واقفة نفس وقفتها حاولت تنده عليه.. ولكنه لم يستجيب النداء..
الحقيقة أغنية في قلب الليل كانت وجبة دسمة جداً.. ودافع قوي جدا جدا جدا يخليني أبحث من هو عصام عبد الله وفوجئت بكم من الأعمال الغنائية اللي عايش معانا وهيعيش لحد قيام الساعة..
خليني أبدأ بالطفولة لأن مفيش حد فينا مسمعش ومغناش أغنية كوكو واوا مثلا ولا جدو علي.. أيوااااا هما الأغنيتين دول اللي حضرتك بتدندن فيهم دلوقتي اللي مفيش طفل معدوش عليه.. كلمات العظيم عصام عبد الله..
استكمالاً للي كتبه لعلي الجار هنلاقيه كتب كان إحساسى صحيح- بلادى- لحظة ممكنة- روحى فيكى تروح..
وعمرو دياب (أشوف عنيكى- بحب الحياة- المدينة- وقت وعشناه- عصافير الحب)، ومحمد فؤاد (بعت الصبح مرسالى- صابر- عاش الطب- غرقان لشوشتي- نحب بجد)، وأنغام (من بعيد- وحدانية)، وسيمون (عاوزة أصرخ- أحب اقولك)، ولبلبة (جدا جدا- انت وانا- انا قلبى حر)، وعبدالمنعم مدبولى (البطة- دا دا- ح يجننونى)، وإيمان البحر درويش (عرفتينى)، ولطيفة (تروح وترجع)، وحنان (حبة عيال مجانين)، ومودى وحسين الإمام (و ماله- ازى الصحة- حاجه تانية- مالك- ودعى المكان- شىء جديد- المجهول- دق)، ومحمد الحلو (يابوى يا مصر) وآخرون، وكتب أغانى أفلام «أنياب» إخراج محمد شبل و«الحب فى التلاجة» إخراج سعيد حامد و«الأقزام قادمون» إخراج شريف عرفة، كما كتب عدداً كبيراً من الإعلانات فى الثمانينيات..
ده غير طبعا اللي كتبه لمنير زي الطول واللون والحرية حتى حتى ووه بابا ولو بطلنا نحلم نموت وسحر المغنى..
بس هفضل شايفة ان عصام عبد الله لو مكتبش غير في قلب الليل فهو أعظم شاعر مر على وجه البسيطة.. بأغنية وحدة بس لأنها زي م قولت قبل كده تطور للأغنية لسه موصلنالهوش لحد النهاردة.. الأغنية حرفياً لسه سبقانا بسنين ضوئية..
وعصام عبد الله هيفضل سابقنا بكتير قوي قوي قوي وهيفضل عايش معانا ومع أجيال كتير هتيجي بعدنا وتسمع في قلب الليل وتتوه في الصور والمعاني.. وتسأل وتدور.. وتحكي لناس تاني..