هُنا فى هذا المكان تحديداً هذا الفناء الواسع أعتدتُ أن ألعب أنا وأُخوتى ....أحياناً نلعب الغُميضة وأحياناً نتسابق..من منا سيربح وسيصل أسرع من الأخر لباب الفناء،وأحياناً أخرى كنا نفترش الأرض بإحدى الحُصرِ ونجلس عليها ونلعب(بنك الحظ أو السُلم والثعبان أو الكوتشينه أو الصراحة)وغيرها من الألعاب..وكانت أمى تأتينا بأكواب الشاى بالحليب وأحياناً أخرى بالعصائر أو البُوشار وبعض التسالى التى تُعِدَها بحب..وحينما يأتى الشتاء ويشتد البرد كُنا نهرب إلى داخل المنزل لنحتمى بجدرانه وسقفه العالى من أمطار الشتاء وبرودته ورُغم ذلك كُنا نُحب أن نُبلل أنفُسنا بالمطر ولكن سرعان ماتأتى أمى لتُوبخنا وتُجبرُنا على الدخول حتى لايُصاب أحدُنا بنزلةِ برد...كان أبى يُحدثُنا دائماً أن هذا الغيثُ خيرٌ ورزقٌ من عند الله ويجب أن ندعى الله كثيراً بكل مايجول فى أنفُسِنا من أمنيات لأن الله حتماً سيُحققها...بعدها كنا نجلس على تلك الأريكة التى تقبع أمام التِلفاز...نقترب من بعضنا البعض كلٌ منا يلتمس الدفئ من الأخر حتى يقوم أبى ويُحضر الحطب ثم يضعه بالمدفأة ليُشعلها فنركض أنا وأخوتى حتى نأخذ بعض الحطب منه ونقوم بإلقاءه داخل اللهب...بعد إشعال المدفأة يتسلل الدفء تدريجياً إلى أرجاء المنزل فنعودُ لنجلس على الأريكة مرة أخرى وتُشغل لنا أمى التِلفاز على قناة سبيستون حيثُ عالم النقاء والبراءة وحيثُ تكمُن طفولتنا...نغفو ونحنُ نُشاهدها فيقومُ كلٌ من أبى وأمى بحملِنا؛ليضعوا كلٌ منا بسريره ويدثرونا جيداً بالألحفة....دائماً كنتُ انتظر هذه اللحظة التى يعلم بها أبى وأمى بنومنا ليأتوا ويحملونا....كنتُ أتظاهر حينها بالنوم حتى أشعر بذلك الشعور الذى لايُوصف بمجرد كلمات حينما يحملنى أبى أو تحملنى أمى...كنتُ أشعر بالحب والحنان بما يقومون به...وكأن العالم بأسرِه يحتضنى فى تلك اللحظة وكأننى أمتلكُ حب الدنيا وكل الأمان بالعالم....حينما يأتى الصباح وتتسلل خيوط الشمس نافذة غرفتنا ومع صوت زقزقة العصافير على النافذة كنا نستيقظ،ونتسابق لدلوف الحمام..حتى ينتهى كلٌ منا بغسل وجهه وتفريش أسنانه ثم نتوضأ ونذهب لأبى فيأُمنا فى الصلاة وبعد الإنتهاء نذهب للمطبخ ذلك المكان الذى تفوحُ منهُ الروائح العَطِرة دائماً بما يُعتمل فيه من أشهى وأروع المأكولات التى لا يُجيد صُنعها سوى أمى..فأنا أعتقد أنه ما من أحدٍ يُجيدُ الطهى مثلما تُجيدهُ أمى...نقومُ بمساعدتِها ونحمل الأطباق ونضعها على طاولة الطعام ثم نُباشر بالأكل بعد قول البسملة وننتهى منه بحمد الله...لطالما كان هذا أقلُ مايُوصف بِهِ منزلى...بأن أعمدتُه تقوم على الحُب والوُد والإحترام والدفئ والحنان والأمان وطاعة الله....أين كل هذا الآن؟!!!....لا أعلم ولا أُصدق كل هذا سأفقدُ عقلى من هول الصدمة...أنا الآن أجلس على أطلالِ منزلى وأشلاء!!!لا لا من المؤكد ليسوا أهلى...ليسوا هم...أشعر بالضياع...أتمنى أن يكون هذا مجرد كابوس وسأفيق منه...لا أعرف أأبكى حالى؟!! أم أبكى منزلى؟!! أم أبكى طفولتى؟!! أم أبكى الذكريات؟!! أم أبكى ع ا ئ ل تى؟!! فى تلك اللحظة أطلقت روحى صرخة مُدوية تحمل فى طياتِها كل معانى الألم ....أمى....أبى...أخوتى...فلتعودوا ،يا أمى أشعر بالغربة والوحدة تُمزقُنى فلتضمينى بين ذراعيكِ وأمسدى على شعرى...ياأبى أنا خائفة حد الموت أرجوك فلتأتى وتأخذنى..ياأخوتى فلتنهوا لعبة الغميضة تلك لم أعد أُحبُها فلتظهروا الآن ...ياالله فليُجيبُنى أحدٌ منكم أين ذهبتم وتركتونى وحدى؟!! أنا لا شئ بدونكم ...فليذهب المنزل للجحيم فلتعودوا أنتم فقط...أنتم فقط ولا أُريدُ شيئاً آخر.....لقد فهمت معنى المنزل جيداً....أنه ليس أسقف و بعض الجدران والطوابق والأثاث...المنزل هو الحب والدفئ والطمأنينة حيثُ وجود العائلة..هذا هو المنزل الحقيقى...منزلى الحقيقى هو أسرتى التى لم تعد م و ج و د ة....ولم أعد أنا.....