في أحد الأيام استيقظتُ من النوم وعَلِمتُ حينها من والِدَتِى أن المنزل الذي يقبع أمام منزِلَنا قد تم سَكنُه من قِبلِ شاب في أواخر العشرينيات....وكانت تَسرى العادة عِندنا في تلك المنطقة أنه عِندَ حِلُولِ ساكنٍ جديد في المنطِقة يُرحب بِهِ كُلُ الجيران المُحيطين به ويُضايفُونَهُ بِبعض الحَلوى مَنزلية الصُنع...والمُباركة لَهُ على الانتقال وتمنى الخير لَه في ذلك البيت الجديد وأن يُصبح جَارَ خيرٍ لجميع الموجودين في المنطقة...وكعادة منطقتِنا الجميع فيها يعرفون بعضهم البعض ويتبادلون الأحاديث....كانت جارتنا الخالة"وردة" تَتَحدث مع أُمى عن قاطِن البيت الجديد القابع أمام منزلي وأنها عَرِفَت من الخالة"سماح" والجدة"شفيقة" أنَهُ يُدعى "رَحَال" وكاسمُهُ تماماً لقد أنتقل كثيراً من مَكانٍ لآخر فهو لا يمكُثُ في مكانٍ سوى سَنَةٍ واحدة فهو كثير التِرحال والتنقل....قد استمعتُ بِحرصٍ شديد لكلامِ الخالة "وردة" مع أُمى عن ذلك الجار الجديد الذي بدأ يُثيرُ فُضُولي نَحوَه....لم أعلم متى وكيف بدأ هذا الفُضول يتحول لاهتمامٍ....هل بدايةً من اسمِه المُمَيز والفريد...أم لِكثرَةِ الغموض الذي يَدورُ حَولَه بَدءً منِ تنقله وعدم بقائه في مكانٍ واحد زيادةً عنِ السَنة...أم لعدم ظهور أيُ شخصٍ مَعَهُ في المنزل مُنذُ أن جاء...لا أعلم ما أعرِفُه أننى دائماً كُنتُ أميل ناحية الأشخاص الذين يتلَحَفَهُم الغموض ولا يبدون كالكُتُبِ المفتوحة المقروءة سُطورَها بِوضوح....وهو كان يُثيرُ فُضولي لسبر أغوراه ومَعرِفة أسراره التي يُخبئها....لم أُدرك نَفسى إلا عندما وَجدتُني أصبحتُ أستيقظُ كُلَ صباحٍ على صوتِ زقزَقَةِ العصافير على سُورِ شُرفَتِه المُقابلة لِشُرفَتي إثر وَضعُه لِلأرز والماء في إناءٍ لتأكل مِنهُ أن يأتى بِكَ إلى هُنا لكى أراك وأقع في حُبِك....الآن فقط أدركت أنه لم يَكُن تائِهاً من أهلُه....فلقد بَحثتُ عَنهُ كثيراً حتى أدركت أنَهُ كان تائِهاً في قلبي!!