رَفيقةُ دَربى....ورفيقةُ عُمرى...وَرفيقةُ رُوحى..أتذكر جيداً اليوم الأول الذى رأيتك به عندما قدَمَكِ مُعلِمُ الصف لنا بأنكِ الطالبة الجديدة كنا وقتها فى أواخر المرحلةِ الإبتدائية،وأتذكر أنكِ كُنتِ مقتصِرةً فى الكلامِ وقُلتِ اسمكِ فقط ولا شئ آخر...وأشار المُعلم لَكِ حينها على ذلك المقعد الفارغ بجانبى...حينها أقتربتِ بحذر وَوَضَعتِ حقيبتَكِ على المقعد...ولا أتذكر حينها سِوى صُراخ والدتكِ باسمك حينما ركَضتِ مُسرعةً من الباب الخلفى للصف نحو الخارج.....وبعد إنتهاء الصف حَمَلتُ حقيبتِك وأنا لاأدرى هل سأراكِ مُجدداً لأُعطيها لَكِ أم لا ؟!ولكِنَ شيئاً داخلى كان يُحدثنى بأننى سأعثُر عليكِ...وبالفعل وَجدتُكِ فوق تِلكَ التلة أمام البحر فى الطريق المؤدية لمنزلى....ناديتُ حينها باسمك"بسمة"ألن تأخُذى حقيبتِك...نَظرتِ لى من أعلى وأنتِ تقولين بكُلِ برود فلتصعدى السلالم من تلك الجهة....قُلتُ لَكِ حينها أننى لا استطيع فأنا أخشى المُرتفعات...أتذكر حينها أنكِ قُلتِ لى "بأن الخوف يختفى بمجرد أن نُغمض أعيُنَنا" ولا أدرى حينها كيف صعدت بل ركضتُ مَعكِ حينها فوق التل أيضاً....وعندما أقترب الليل على المجئ....كُنا فى منزلى نتناول الطعام الذى أعدَتهُ أُمى من تلك الخُضرة التى أعتاد أبى أن يزرعها فى أرضنا الزراعية لَنا...كان الطعامُ حينها "بيوريه البطاطس بالجزر" وبروكلى مشوى"....كُنتُ أنتقى الجزر وأضعه جانباً وأتذكر غضب أبى علىَّ فى ذلك الوقت بأننى إنتقائية وبأنَهُ تَعِبَ كثيراً وهو يهتم بذلك المحصول...ولكن بالرغم من ذلك لم أتناوله فأنا لا أُحب الجزر وهو يَعلَمُ ذلك جيداً....أتذكر أنكِ أنتِ أيضاً قُمتِ بإبعاد البروكلى ولم تأكُليه...وقُلتِ حينها أنَكِ لاتُحبينَه....وتُحبين الجزر...حينها قُمتُ بتناولهُ بالنيابةِ عَنكِ وأنتِ تناولتِ الجزر بدلاً منى....وعندما حَلَّ المساء جاءت والدتُكِ لإصطحابِك....وأتذكر أنها غَضِبَت عليكِ تلك الليلة لأنكِ لم تُخبريها بمكانك ولأنكِ قُمتِ بإحراجِها عندما هَربتِ من الصف.....وبعد ذلك اليوم بيومان فقط جاءت والدتك لِأمى تطلب منها أن تعتنى بِكِ لأنها ستُغادر لم أعرف السبب ولم أستفسِر حينها ولكن كُل ماكان يدور فى بالى تِلكَ اللحظة أننا سنبقى معاً....أعتدتُ الرسم وأتقنتُه مُنذُ أن كُنت صغيرة وكُنتُ أتمنى أن أُصبِح رَسامةً ولكِنَ أَبى يُردُنى أن أُصبِحَ مُعلمة لأنه يقول أنَّ الرسامين لايَجنون الأموال وليس لهم مُستقبل،لطالما كُنتُ أجد نفسى فى الرسم وأفهم مشاعرى من خلالُه...ولكن قدرى وواقعى يمنَعُنى من أن أَحلُم....أتذكر أنكِ لم تُتقنى الرسم يوماً ولكن لطالما أعجبتنى تلك اللوحات العبثية المجنونة الصارخة بالألوان التى كُنتِ تَرسمينَها معى لتلك القطة الصغيرة المُشردة التى أنتشلناها من الطريق فى ذلك اليوم المَطير وقُمنا بتربيتها معاً...أراها تُعبِرُ عَنكِ...تُشبهُكِ تِلكَ الرُسومات فى جُنونَكِ وإنطلاقَكِ....أَخبرتينى بأنكِ ستَمتهنين الرسم وستدريسينَهُ...أعتاد أبى وأمى أن يَمدحونَكِ دائماً ويفتخرون بِكُلِ الأشياء التى تقومين بِها حتى الصغيرة مِنها ولطالما كان كُلَ ماأفعَلَهُ لايَروقُ لَهُم على عَكسَكِ..ولكن هذا لم يُضايقنى أبداً ولم أشعر بالحزن من أجل هذا يوماً....فعائلتى هم عائلتُكِ أنتِ أيضاً مُنذُ أن أصبحنا نَعيشُ سوياً....وعندما أصبحنا فى السنة النهائية من المرحلةِ الثانوية....قابلتُه....أخبرتُكِ حينها عَنهُ وبِأنَ هُناك شابٌ أَشعُرُ بأننى منجذِبَةٌ لَهُ وأشعر بمشاعرٍ غريبة أَختَبِرُها لِأولِ مَرة....قُمتِ بسؤالى حينها "هل يعلم بذلك؟!" وقُلتُ لَكِ لا وبأننى لم أجرؤ على الإعتراف لأننى يجب أن أتأكد أولاً....وبعد إنتهاء إمتحاناتِ الصف الثالث الثانوى...كانت هُناك حفلة للإحتفال بإنتهاء ذلك العام وأخيراً وكان هُناك....لا أعرف كيف أقتربتُ مِنهُ وقُمتُ بِسؤالِه"هل تسمح لى بِرَسمك؟!"...لا أدرى ماذا حدث بعد ذلك ولكننى أتذكر أنكَ سَمحتَ لى بِذلك،أتذكر أننى شَرعتُ حينها فى رَسمَك ثم توقفت وقُلتُ لَك بأن هناك شئ يجب أن أُخبرَكَ بِه ولكننى سأتأكد مِنهُ أولاً بعد إنتهاء الرسمة ومن ثم سأعترف...حينما أنتهيتُ...غُصتُ فى عيناكَ فى تلك الرسمة ولم أدرى سوى بنفسى وأنا أقولُ لَك..."أعلَمُ جيداً أنهُ كان من الصعبِ أن ألفُظَ بهذه الكلمة ولكنى"أُحِبُكَ"...لم أعرف أنكَ كُنتَ تكِنَ لى نفس المشاعر حينها أو حَسِبتُ أنا ذَلك...وبعد ظهور التنسيق...ذهب كُلٌ منا فى طريقه...أنتَ ذهبتَ لِدراسة الطب فى جامعة المدينة أما أنا ظللتُ فى جامعتى فى الأقاليم أما عن "بسمة" فلقد ذهبت للمدينة هى الأُخرى لدراسة الرسم وتحقيق أحلامها فى السفر حول العالم....لم أكُن أتخيل بأنهُ سيأتى يوم وسننفصل عن بعضنا البعض...وسَتُبعد بيننا المسافات...ولكننا تعاهدنا بأن نُراسل بعضنا ونُطَمأن بعضنا البعض عن أحوالِنا....كانت تُرسِل لى وتُحدثُنى بأن دُروسَ الرسمِ الخاصة بِها تَسيرُ جيداً وبأن أستاذها فى الرسم يمتدح رسمها كثيراً....كُنتُ أغبِطُها....على تحقيقها لِحُلمى وعلى حُريتها فى اختيار ماتُود فعله...وكنتُ أشتاق للرسم أيضاً....فمنذُ أن تَوقفتُ عن الرسم وأشعرُ بأننى فَقدتُ ذاتى....عندما كانت تُتاح أياماً للعطلة عِندَ "قاسم" كان يأتى لزيارتى ثم يعود مرةً أُخرى لِجامعتُه...ولكننى كُنتُ أُشفق عليه من بُعد المسافة ومَشَقَةُ السفر فأخبرته بألا يأتى مُجدداً ونتواصل عبر الهاتف بدلاً من ذلك...حتى تَخرجنا....وتحدد موعد زِفافنا....كُنتُ فى ذلك اليوم حزينة على غير المُتوقع على الرغم من أننى سأتزوج بمن أُحِب ولكن ذلك اليوم فَرحتى لم تكتمل....فرفيقةُ روحى لم تَكُن هُنا وأكتفت فى ذلك اليوم بإرسال باقةً من الزُهورِ الحمراء ورسالةٍ مُقتضبة "تتمنى لى السعادة وتعتذر على عدم حُضورها فى هذا اليوم المهم لأنها خارج البلد"... ولا يَهُم كم كُنتُ غاضبة ولا عدد السنوات التى لم نَرَ بعض بِها حاولتُ تجاوز الموقف...وكَفكَفتُ دموعى لِأستعِدَ للخُروج إلى ساحةِ العُرس....ولكن فى تلك اللحظة كان القدرُ يَرسُم ُ لى سيناريو آخر،فلقد أستمعتُ من غير قصدٍ لِمُكالمة "قاسم" عبر الهاتف وهو يقول"بسمة أعلمُ أنَكِ هُنا ولم تُسافِرى لأى مكان ولا تستطيعين المجئ لأنكِ لاتستطيعين مواجهة "ضى" بالحقيقة التى لطالما هَربتِ منها أنتِ تُحبيننى وأنا أيضاً كذلك ومُستعد فى هذه اللحظة أن أترُكَ كُلَ شئٍ من أجلِك وتعرفين أيضاً أننى أقومُ بهذا العرس فقط من أجل ذلك الوعد الذى قطعتَهُ لَكِ بأننى لن أتخلى عنها حينما جعلتيننى أُقسم بذلك وإلا لن أراكِ مُجدداً،تعلمين جيداً أن مشاعرنا تَطورت نحو بعضنا البعض مُنذُ تقابلنا فى المدينة حينما جِئتُ لِأدرُسَ الطب وأنتى لتتعلمى الرسم،وهذا ليس بأيدينا فلقد جَمعنا القدر معاً فى ذلك اليوم الذى تقابلنا بِه فى الحرم الجامعى،ونحنُ لم نَقُم بخيانتِها أبداً"....كان جميع ماسمعتُه تِلكَ الليلة كفيلاً بأن يقضى علىَّ وأن يَحرِقَ الأخضر واليابس ولكنى لم أفعل شئ،ثَباتِ تِلكَ الليلة أدهشنى لا أعرف كيف صَمدتُ هكذا وخرجتُ نحو قاعة العُرس وأمسَكتُ بِمُكبِرَ الصوت هاتفة"لا يُوجد عُرس،العُرس لاغى"....لم أدرِ بنفسى سوى بأننى صِرتُ أركُض بفستانِ الزفاف حتى صِرتُ فى الشارع والجميع ينظر نحوى بذهول.....أنتهت تِلكَ الليلة بمطرٍ غزير أَشفَقَ على حالى فقرر الهبوط من أجل أن يُخفى دموعى المنهمرة على وجنتى....لم أكن سأَصرُخُ عليها ولم أكُن سأنعتُها بالخائنة ولم أَكُن سأَسُبَها ولا هو أيضاً...ولكِنَنى كُنتُ أُريدُ أن أطرح عليه هذا السؤال"لماذا؟!!....هل أنا لا أستحِقُ الحُب لِهذه الدرجة؟!...ماالذى يَنقُصُنى؟!!....لماذا هى ولَستُ أنا؟!! ولَكِنَنى أَدرَكتُ بأننى كُنتُ كَثيرةً عليه،لم يَكُن يستحق حُبى لَهُ ولو لثانية...أما هى فكُنتُ أريدُ أن أسألها"هل أعتبرتينى ذاتَ يومٍ رَفيقةُ رَوحٍ لَكِ كما أعتدتُ أن أراكِ؟!!...حتى حُبُ والديا لَكِ لم أستكثِرُهُ عَليكِ....حُلمى الذى لطالما تمنيتُ تحقيقَه قُمتِ بِهِ أنتِ ألم يَكفِ ذلك؟!!....يارفيقةُ رَوحٍ خادِعَةٌ....قُمتِ بكسرى...لا والله بل قُمتِ بِقتلى...أصبحتِ يا"بسمة"ترسُمين الحُزنَ بِبراعةٍ على وجهى...وتُلونين بالأسود على اسمى"ضى" ليُصبِحَ ضَوئَهُ خافتاً....ولكننى أدركتُ مُتأخراً بأن رفيق الروح للإنسان لا أحد سوى نَفسُه...فإذا أحب الإنسان أحداً أكثر من نَفسُهُ بالتأكيد سيَخسرها...ولكننى تَعلمتُ ذَلِكَ الدرس بعد فواتِ الأوان..وأَعلمى جيداً بأنَهُ لا أحد بِجانِبك يُحبُكِ حقاً أنا الوحيدة التى كُنتُ أفعَلُ ذَلك والآن قد خَسرتِ شيئاً نفيثاً لن تَعرِفى قيمَتُه إلا مُتأخراً ولَكن حينما تندمين على ذلك لا تعودى لتبحثى عنى فأنا مُنذُ الآن لم أَعُد أَعرِفُكِ ........