كم أن سَطوة الذكريات مُؤلِمة....كخنجرِ مُرورِ الزمن.....حيث هناك وقت كنا فيه لا نأبه بوقت ولا نحمل أي مسؤوليات....حيث قُتِلت هناك أحلامٌ وردية لفتياتٍ مازالوا بزي المدرسة البُني....وبضفائرٍ مَجدولة في عُمرٍ قد مَضى...حيثُ الحنين لأيامٍ لا تُشبه هذه الأيام....حيثُ اللهو واللعب بدون كَلل ولا مَلل....حيثُ السعادة كانت تتمثل في أشياءٍ بسيطة....وأحاديثٍ عبثية مُراهِقة....عن الحبيب الأول لِكُلٍ منا....عن ذلك المُمثل الچان الذي يُهدى البطلة وَردة....وَيقُولُ لها "صباح الورد ياهانم"....وعن متى سيحين مَوعِد حِصَةُ الألعاب....وكيف سنتهرب من طابور الصباح.....دائماً نحلُم بأن نَكبُر وأن نتخلص من إرتداء زي المدرسة المُمل الكئيب....وننتهي من دراستنا تماماً....وعندما حصلنا على ما نُريد....وعندما حَدثَ ما كُنا نتمنى دائماً...وعندما كَبُرنا وَنضَجنا وَرأينا ألوان الحياة على حقيقتِها....يَغمُر وجدانُنا الحنينُ إلى تلك الأيام الخوالي،والتي نكتشف مؤخراً أنها كانت أجمل أيام العُمر بالفعل،كما كان يُقالُ لنا دائماً...ولكنه دائماً ما يكون اكتشافاً متأخِراً لا يُصيبُ النفس سوى بالحسرة،والمزيد من الحنين والشوق لأيامٍ خالية مُمتلئة بمزيجٍ ساحر من براءة الأطفال وحيوية وعُنفوانِ الشباب....وعندما يجتمع شمل أصدقاء الطفولة والصِبا معاً بعد سنين....يُفتَحُ صندوقُ الذكريات من جديد....وَكأنَ سنواتٍ لم تَمُر....ولكن السؤال هُنا هل ستبقى كُلٌ منهم كما كانت سابقاً أم أنَّ الزمان طغى بقسوتِهِ على ملامح كُلٌ منهم فَبدَلَها....وغطى بأتربتُه أحلامهم الوردية فأخفاها....الإجابة واضحة وَمَعرُوفة...فلا شيء يبقى على حالُه....وكل شيء ينالهُ التغيير حتى البشر...وفي حياة كل إنسانٍ لحظةٌ لا تعود الحياة بعدها كما كانت قبلها....فلِماذا نلومُ أقدَارنا دائماً على كلِ شيء؟! لِمَ لا نستمتع بأكبر قدرٍ من الجهل بالغد لنعيش أياماً سعيدة بدلاً من البُكاء على لبنِ أقدارِنا المسكوب؟!....فالحياة مثل قطارٍ سريع،ومحطات الرُكاب تَعُج بالمُسافرين وضجيجِهم لكن لِكُلٍ منهُم محطتُهُ الأخيرة التي ينزل فيها مهما طال سَفرُه....حقيقة يجب أن نُدرِكها وَنُوقِن بها شئنا أم أبينا....ففي رِحلَةِ الحياة الصعبة حتماً سيفجعُنا الأذى....وسنتعلم أن الخناجر المسمومة الغادرة قد تأتي من الأقربين كما تأتي من الغُرباء،بل إن وقعها من القريب أشد....سنسقُط كثيراً وسنقومُ بعدها من جديد أو سنستسلم للأبد....فماذا لو تَحققت الأحلام؟!!...تُرى هل تتحقق الأحلام؟!!....فعندما تسيرُ حياتنا بسلاسة دون أي مُنغصات....علينا أن نقلق،لأن ببساطة هذه ليست قوانين الحياة....والنبش في صندوق الذكريات لن يُعيد تلك الأيام الهادئة والحُلوَة من جديد....كُنا ساذجين،لم نكن ندري ماذا ينتظرُنا فما الجميل في ذلك الآن؟!....ولكن عندما ننظر لجميع تلك الظروف القاسية التي مَرَرنا بها وسنمُر بها أيضاً....سنُدرك بأن ماحدث وماسيحدُث لنا يجب أن يحدُث وإلا لصرنا بنفس السذاجة ونفس الأحلام الوردية التي لا تتماشى مع أعمارِنا الآن ولا مع قوانين الحياة....فجميعُنا ننضج بالمحن،وتُصقِلُنا التجارب،ويُقوينا الألم.....فمواسم الفُراق ستظلُ مستمرة ما حَيينا!!