...الليلة على وشك الانتهاء...، وماذا بعد يا حبيبتي؟
يقول لي: ”أنتِ تقسمينني إلى قطع صغيرة. لا أستطيع الاستمرار على هذا النحو سأموت“ ، يقترب مني بخطوات ثابتة، ببطء شديد. أحاول التراجع إلى الخلف أكثر فأكثر، فتختلط أعيننا في حديث صامت. أتوقف حينها. يمسكني بالقوة ويدفعني نحوه، يجرني إلى الحائط... كاقتحام جندي مغولي متعطش للغزو، للقتل... يهمس في أذني قائلاً:
_هل أنتِ خائفة؟ وممَّ تخافين؟
لا، أنتَ تجعلني متوترة، بل مرعوبة.
_لا تقلقي، أنتِ في أيدٍ أمينة.
_أنا ماهر في التعامل مع النساء... وخاصة النساء من هن مثلك، من السهل الممتنع.
_لم أفهم ما يعنيه. كلماته أصابتني كالصاعقة. وفجأة تغيرت ملامح وجهي، فسألته: ماذا تقصد بقولك "أنك ماهر في التعامل مع النساء، وخاصة من هن مثلي؟“
لم يُجب على سؤالي، متجمداً في مكانه، ينظر يميناً وشمالاً.
كانت تصرفاته غريبة... دون أن يسألني، يتصرف كما لو كنتُ ملكه، وأنني أحد مقتنياته... كم هو متعجرف! لقد كرهته!
بيني وبين نفسي ألعنه وأشتمه. إن كل الرجال متشابهون، خائنون. ضاق صدري... إنه يلمس مؤخرة رأسي، يدعك شعري... بخفة رجل السحر. أحسست ببعض الراحة... يلمس شفتَيَّ، برشاقة.
_وفجأة، صوته الغليظ يكسر تفكيري: "ها أنتِ، امرأة مختلفة، غير عادية، امرأة عصرية؛ أنت محظوظة، لأن لا أحد سيجعلك أنيقة غيري..." وذكر اسمه الطويل، لكني نسيته. ربما قال إن اسمه "بدروش الميكاب آرتيست"...
تجمد بصري. لقد تغيرت بالفعل، لكنه جعلني منتفخة جداً. لفت انتباهي اعوجاج وجهي، أحسست كأنني متحوِّلة، شفتي السفلى طغت على شفتي العليا... بدوت وكأنني دمية بلاستيكية بلا تاريخ، مرمية في سلة القمامة... وما زاد الوضع تأزماً صبغة شعري، اللون الأخضر الداكن... وتسريحة الشَعر الغريبة. لقد قص شعري عن بكرة أبيه... تمنيت أن يقطع رأسي حينها؛ زوجي يحب شعري طويلاً، وقد أخبرته بذلك، لكنه لم يهتم.
ماذا يظن نفسه فاعلاً؟، ذعرت مما رأيت... وكل ما خطر في بالي: كيف سأعود إلى بيت زوجي؟ هل سيعرفني أنني زوجته البسيطة، البريئة، المهملة لنفسها، التي تفوح منها رائحة البصل والثوم؟ الآن تغيّرت رائحتي، هل سيكف عن شكواه الدائمة من عدم اهتمامي بمظهري، مما "أجبره" على خيانتي – عن غير قصد كما يقول – مع ابنة جارتي السمينة المطلقة؟
ماذا عن أطفالي؟ هل سيدركون أنني أمهم؟ أم سيعاملونني كغريبة تسللت إلى منزلهم، تضع المكياج بدلا من الحنان، نفخت شفاها ووجها بطريقة مبالغة فيها، وتتحدث بصوت لا يعرفونه؟.
لقد فكرت في كل شيء... مرارا وتكرارا بعد عودتي من عيادة التجميل..
حدّقتُ في انعكاسي في المرآة طويلا... لم أتعرف على هذه المرأة. وجهٌ منتفخ، شفاهٌ غريبة، نظرة لا تحمل أيا من اللطف الذي عرفته في عينيها. حاولتُ أن أبتسم، لكن عضلات وجهي لم تستجب. رفعتُ يدي إلى شعري، فلاحظتُ خصلات خضراء كريهة ذات لون غريب، لا تُشبه الأرض، ولا الشجر، ولا حتى الجنون.
من أكون خلف هذا الوجه المركب؟ سؤال بسيط، ولكنه صريح، وقاس. فكرت في أطفالي... هل سيتعرفون عليّ؟ هل سيقبلون حضن امرأة باردة، مشدودة الملامح، لكنها... خالية من تعابير الأمومة؟ بوجع مستعار ماذا سأقول لزوجي؟ كيف سأقنعه بأنني ما زلتُ أنا التي تفوح منها رائحة البصل والثوم، لا العطور المستوردة؟
لقد تغيرت، نعم... ولكن ليس كما أردت. تحولت إلى امرأة لا تشبهني.
_هذه أنا، أنا لم أتغير، لم أتحول، لقد تم خداعي وخذلاني ، خذلت نفسي قبل الجميع، لم أثق بنفسي، لم أستمع لصوتي الداخلي، عندما سمحت لهم بتدميري وتحويلي إلى شخص آخر غيري أنا،ومع ذلك... لم أصبح المرأة التي أرادوها.
وأخيرًا أدركت أن كل ما أريده من الحياة هو الصمت... وبضعة دنانير لركوب قطار فارغ، حيث لا أحد يشبهني منتصف الليل.