إهداء
إلى من يراقب المطر من غير أن يبتل،
إلى العيون التي تشاهد الخيام وتغض الطرف،
إلى من يحسب الألم طبقا جانبيا…
والوجع موسيقى خلفية،
وإليكم أنتم أحبتي
يا من صمدتم
في وجه الأوبال وجاً لوجه،
فكيف لقطرات المطر ألا تجف قبل أن تخر خاضعة، رعناء، أمام أقدامكم؟
وجبة مطر لاسعة
هطل المطر على خيامنا كأن السماء قررت الليلة أن تعد لنا وجبة مطر لاسعة،
وجبة لا تنضج ولا تبرد،
بل تقدم فوق رؤوسنا مباشرة امتحان جديد على جسد قديم.
كانت القطرات تسقط بعنف يشبه تصفيقا ساخرا،
تصفيق جمهور لا ينوي الاقتراب،
ويستمتع بالمشهد من بعيد،
تماما كما يستمتع المتفرجون بتقليب القنوات
بحثا عن كارثة “أنسب للعرض”.
الرطوبة تزحف إلى العظام
كأنها ملعقة تغرف منا آخر ما تبقى من دفء،
والأغطية تنتفخ بالطين كخبز رطب
لا يؤكل… ولا نملك رفاهية رميه.
حتى الخيمة—الهزيلة التي تتنفس معنا—
ترتجف تحت سياط المطر،
وكأنها هي الأخرى تختبَر لمعرفة مدى قابليتها للانهيار.
في الداخل،
يلصق الأطفال وجوههم بصدور أمهاتهم
كأقماع صغيرة تهرب من حرارة لا تحتمل،
والنساء يراقبن ثقوب السقف
كما يراقب المرء ساعة الفرن
ينتظر احتراق شيء يعرف أنه لن ينقذ.
قضينا الليل نعد القطرات،
قطرة تهوي فوق جبين امرأة تصارع صبرها،
قطرة في علبة بلاستيكية لطفل يحاول تخزين الدفء
كمن يخزن آخر لقمة،
وقطرات أخرى تنحدر على وجوهنا
فتبدو كدموع لا نملك وقتا ولا قوة لذرفها
لكن الطعم الحقيقي للوجبة
لم يكن في المطر…
بل في الآخرين.
هناك، خلف الشاشات،
جلس العالم إلى طاولته الدافئة،
يمسك هاتفه كأنه ملعقة،
ويشير إلى مأساتنا بتعاطف معلب وجاهز للاستخدام:
“الله يكون معكم”…
ثم يبتلع وجبته الحقيقية
بشهية لا يفسدها المطر ولا الخيام ولا الجوع.
أيها الآخر،
يا من تشاهد سقوطنا بالتقسيط البطيء،
وتخشى على قلبك من بضع قطرات تعاطف،
هل تدري ما يلسعنا فعلا؟
ليس المطر…
بل أنك اعتدت وجودنا في الطبق،
طبقا جانبيا على مائدة الأخبار،
لا يفتح شهيتك…
ولا يثير اشمئزازك.
ومع الفجر،
حين هدأت السماء قليلا،
لم نغرق—فالغرق يحتاج بيتا أولا.
كل ما حدث أن الخيمة انحنت نحو الضوء،
ونظرت إلى العالم البعيد،
وتمتمت بصوت أثقل من الطين والليل و اللامبالاة:
“لسنا وجبة مطر…
نحن اختبار يومي لإنسانيتكم المفقودة.”
بقلم : محمد خوجة
يكتب بقلم يذرف حروفا
تتلعثم من قسوة الألم.





































