تعذر عليه الحضور في مرات عديدة، تعذر عليه مواجهة الوقت، تعذر عليه الوصول إلى الاجتماع الذي سيحمل هموم القرية وأعباء أهلها.
لكنه هذه المرة، استيقظ باكرا، متحفزا، وكأن فجر اليوم قد مد له جناحين من نور. استقل دراجته النارية، والهواء البارد يصفع وجهه، والطرق الطويلة تمتد أمامه كخيوط قدَر لم تنسج بعد، نحو القرية البعيدة.
أثناء السير، راح يستحضر كل نقطة، كل فكرة، وكأن ذهنه يرسم خريطة دقيقة بين الانكسارات والحلول، وكأن الطريق نفسه يختبر صبره وإصراره.
وفجأة، انفجرت العجلة الأمامية. اهتزت الدراجة بعنف، وامتزج صوت الحديد الممزق بهواء الصباح الصافي. ارتجف قلبه، وكاد يسقط، لكن قبضته على المقود كانت ثابتة كجذر صبّار صامد في صحراء الحياة. أوقف الدراجة على حافة الطريق، حيث صمتت الطبيعة للحظة، كأنها تنتظر أن يستعيد توازنه.
جلس قليلًا، تنفس بعمق، وأمسك الأدوات من حقيبته. كل حركة إصلاح كانت رقصة صبر، وكل صدمة في المعدن ذكرته بأن المثابرة هي لغة الحياة. أثناء عمله، تجولت أفكاره بين جدران الاجتماع، بين هموم القرية وشوارعها وأحلام سكانها، وكأن كل دقيقة تأخير تحفر في روحه عزيمة أعمق على الوصول.
بعد دقائق، أنهى الإصلاح، نهض، وأدار الدراجة. الطريق أمامه كان يلمع بأشعة الشمس المتسللة بين أوراق الأشجار، والرياح تصفق له، وكأن الكون كله يشهد عزيمته.
حين وصل إلى بيت الاجتماع، وجد النقاش محتدما، والأصوات تتصاعد بلا ترتيب. لكنه كان الشخص الوحيد القادر على تحويل الفوضى إلى انسجام، على نسج كلمات تحمل الحلول والتفاهم. نبرته الهادئة، حضوره المدروس، وقدرته على استيعاب الجميع، جعلت كلماته جسورًا بين الأرواح، ونجحت تدخلاته في وضع النقاط على الحروف، وتحويل الخلافات إلى خطوات عملية.
خرج الجميع من الاجتماع وهم يشعرون بالرضا، يدركون أن حضوره لم يكن مجرد التزام، بل كان شرف المحاولة: شعلة تضيء الطريق في ظلام الخلاف، وحبل النجاة الذي يربط بين الإرادة والعمل والحياة.





































