أصدر الجهاز العصبي البشري صباح اليوم بلاغا عاجلا إلى عموم الخلايا، أعلن فيه حالة استنفار قصوى، إثرَ التقاطه موجات خارجية مشبوهة، تحدث ارتباكا جماعيا في دوائر المنطق، وتسبب سلوكيات لا تشبه الإنسان... إلا بالشكل.
وجاء في نص البيان:
تسجل تشنجات في الفص الجبهي، وهذيانات فكرية حادة، وتسرب في شبكات الوعي.
يرجى من جميع الأعصاب شد مواقفها، ومن الضمير — إن وجد — الحضور ولو متأخرا."
تبين لاحقا أن مصدر الإشعاع موجات ناعمة الملمس، تبث من خلف الشاشات، و تهمس للعقل قائلة:
"فكر بما يعرض عليك، لا بما يخطر ببالك..."
فبدأت المراكز العصبية تتراقص بين قنوات متعارضة،
و تتصادم الإشارات كأنها نشرات أخبار تتقاتل في الرأس.
عقد المخ اجتماعا طارئا برئاسة العقل الواعي الذي بدا مرهقا من فرط الوعي.
حاول مركز المنطق تقديم مقترح للإصلاح، فقاطعه مركز المتعة قائلا:
"دعونا نؤجل التفكير إلى ما بعد الإعلان!"
فصفقت الخلايا بحرارة عفوية،
بينما دخل الضمير في غيبوبة ناعمة إثر جرعة زائدة من “الترند”.
القلب حاول الاعتراض، لكن أحد الأعصاب هدده بقطع الإمدادات العاطفية إن لم يلتزم الصمت.
أما الذاكرة الطويلة الأمد فقد قدمت استقالتها رسميا، وكتبت في مذكرة الوداع:
"لم أعد أحتمل إعادة نفس الأخطاء بغباء متجدد."
و في ختام النشرة، قال المتحدث الرسمي باسم الجهاز العصبي بصوت متقطع:
"نحذر من استمرار استقبال الموجات العابثة،
فالمخ بات على حافة الانفصال الذاتي.
ينصح بإعادة تشغيل الإنسان فورا، أو فصله عن الشبكة
قبل أن يتحول إلى كائن يصفق وهو نائم،
و يتحدث وهو لا يفهم ما يقول!"
ثم خيم الصمت...
وعلى الطرف الآخر من الشاشة،
جلس الإنسان بابتسامة مثالية،
يضع إعجابا على البلاغ — دون أن يقرأه.





































