بدأت دودة القفز قفزاتها الهوجاء بلا توقف.
تثب فوق الزهور، تتمايل على أغصان الأشجار، وتعلو رؤوس النمل،
كأن العالم كله مسرح لها، والفوضى موسيقاها المفضلة.
تصيح في الهواء مزهوة بنفسها:
"أنا أعلم كل شيء! أرى كل شيء! أفهم كل شيء!"
ارتجفت العصافير فوق الأغصان، وارتبك النحل في أماكنه، واختبأ النمل تحت أوراق الشجر…
لكنها لم تكترث؛
كانت تطير بين الواقع والخيال، تتدخل في كل أمر، تصنع فوضى لا يجرؤ أحد على تجاهلها،
وتعلن بثقة جوفاء:
"دعوني أعلّمكم أسرار الكون، دعوني أرسم لكم أفقًا بلا نهاية!"
لم تبنِ بيتا، ولم تجمع طعاما، لكنها قفزت بلا توقف،
كأن الكون خلق ليدور حولها، رمزا لكل من يعرف كل شيء… ولا يفعل شيئا.
ضحك الجميع، ثم تجاهلوها.
لكنها رفضت الصمت، فازدادت قفزاتها جنونا، وتحولت حركتها إلى نغمة متقطعة،
سيمفونية للفوضى المستمرة.
تتسلق على ظهر الورود لتقدم "نصائحها" في الإزهار،
تعترض على اتجاه الريح،
تفتي في شؤون المطر،
وتنصح الشمس أن تشرق من الجهة الأخرى…
"للتغيير فقط!"
كل سقوط على الأرض كان اختبارًا جديدا:
"لقد اختبرت صلابة التربة!"
لم يجرؤ أحد على الرد، فهي تملك الإجابة لكل سؤال،
حتى وإن لم تفهم السؤال أصلا.
حاولت الأشجار بهدوء أن تشرح معنى الجذور والثبات،
فقفزت في وجهها صارخة بفخر غافل:
"أنتم متحجرون! الحرية أن تقفز بلا هدف!"
وفي صباح غائم من تلك الصباحات الكسولة،
قفزت نحو بركة الطين، تصيح بثقة عمياء:
"أنا فقط أستكشف أعماق المعرفة!"
فسقطت…
وعند ارتطامها بالأرض، تحطمت إلى شظايا صغيرة، تناثرت في أرجاء الحديقة،
ناقلة عدواها إلى كل ساكنة.
في لمح البصر، تحولت الحديقة إلى مسرح للعبث،
عالم جديد وغريب، القاعدة فيه الفوضى،
والجريمة فيه… هي الحكمة.
وفي النهاية، بقيت الدودة في ذاكرة الجميع،
درسا عن من يعرف كل شيء، ويتصرف كأنه يفعل… دون أن يفعل شيئا.





































