يقال إن في قلب غزة، تحت الركام الذي تعاقبت عليه الحروب،
بئرا لا يعرفها العسكر ولا الخرائط.
يسميها أهل المدينة: بئر الحب الذي لا ينضب.
منها تشرب الأزقة نورها الخفيف،
ومنها تستمد العائلات قدرتها العجيبة على الضحك في حضرة الفاجعة،
ومنها يولد الإصرار الذي يجعلهم يقيمون أعراسا فوق الغبار،
كأن الورد قرر أن ينبت من الرماد لا من التراب.
وحين يسقط بيت، يصعد من الأعماق صوت خافت يقول:
«ما زالت الحياة تبحث عن باب.»
وحين يثقل الحزن على القلوب، تمتد من البئر خيوط دافئة لا ترى،
تشد الروح كي لا تنكسر،وتلم الشقوق كما يلم الخياط جرح القماش.
عندها يصغر الخذلان، ويبهت العدوان،
ويبدو الموت نفسه متعبا أمام مدينة تحبّ رغم كل شيء.
وأهل غزة يعرفون السر:
لا يحتاج الحب إلى نافذة مشرعة،
يكفيه صدع صغير في جدار محطم
ليخرج منه ضوء يقهر العتمة.
وربما لهذا تعلو الزغاريد في قلب الليل،
وتخترق السماء مثل نوارس جريئة،
ويرتدي الجرح ثوبا أبيض،
كأن المدينة تقول للعالم:
نحن لا ننتصر بالسلاح،
ولا ننهزم بالخوف…
نحن ننهل من بئر الحب الذي لا يجف.






































